قال موسى عليهالسلام ذلك مجيبا فرعون على سؤاله ، فأخبر بإحاطة علم الله ، ولم يكن ذلك لفرعون مع دعواه الربوبية ، فعلم فرعون ما قالاه وسكت ، وتبين له أنه الحق ، لكن حب الرياسة منعه من الاعتراف (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ). اعلم أن العطاء منه واجب ومنه امتنان ، فإعطاء الحق العالم الوجود امتنان ، وإعطاء كل موجود من العالم خلقه واجب ، فإن أداء الحقوق نعت إلهي طولب به الكون ، قال تعالى (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) فذلك حق ذلك الشيء الذي له عند الله من حيث ذاته ، فهو حق ذاتي ، وأعطى كل شيء خلقه يعني في نفس الأمر ، فخلق كل شيء حقه أي كماله ، وهو عين كمال ذلك الشيء فما نقصه شيء لأنه لا يصدر عن الكامل شيء إلا على كماله اللائق به ، فما في العالم نقص أصلا ، فالكمال للاشياء وصف ذاتي وهو جماله ، إذ لو نقص منه شيء لنزل عن درجة كمال خلقه فكان قبيحا ، فليس في الإمكان أجمل ولا أبدع ولا أحسن من العالم ، ولو أوجد ما أوجد إلى ما لا يتناهى ، لأن الحسن الإلهي والجمال قد حازه وظهر به ، والنقص أمر عرضي ، كالمرض له كمال في ذاته ، والكمال هنا بمعنى التمام ، لأن الكمال هو المطلوب لا التمام ، فإن التمام في الخلق ، والكمال فيما يستفيده التام ويفيده ، قال تعالى (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) فقد تم ، ومن ذلك النقص ، فقد أعطى النقص خلقه أن يكون ناقصا ، فالزيادة على النقص الذي هو عينه ، لو كانت لكانت نقصا فيه ولم يعط النقص خلقه ، فتمام النقص أن يكون نقصا ، فالوجود كله عطاء.
ليس عند الله منع |
|
كل ما منه عطاء |
فإذا ما قيل منع |
|
لم يكن إلا عطاء |
فأنا ما بين شيئين غطاء ووطاء |
|
وأنا لكل ما في الكون من خير وعاء |
وميّز الله كل شيء في العالم بأمر ، ذلك الأمر هو الذي ميزه عن غيره ، وهو أحدية كل شيء ، فما اجتمع اثنان في مزاج واحد ، قال أبو العتاهية :
وفي كل شيء له آية |
|
تدل على أنه واحد |
وليست سوى أحدية كل شيء ، فما اجتمع اثنان قط فيما يقع به الامتياز ، ولو وقع