وهو نوعان : نوع منه يدرك بالعقل كالعلم الأول من هذه الأقسام ، لكن هذا العالم به لم يحصل له عن نظر ، ولكن مرتبة هذا العلم أعطت هذا ، والنوع الآخر على ضربين ، ضرب منه يلتحق بالعلم الثاني لكن حاله أشرف ، والضرب الآخر من علوم الأخبار وهي التي يدخلها الصدق والكذب ، إلا أن يكون المخبر به قد ثبت صدقه عند المخبر ، وعصمته فيما يخبر به ويقوله ، كإخبار الأنبياء صلوات الله عليهم عن الله ، وكإخبارهم بالجنة وما فيها ، فقوله إن ثمّ جنة من علم الخبر ، وقوله في القيامة إن فيها حوضا أحلى من العسل من علم الأحوال ، وهو علم الذوق ، وقوله كان الله ولا شيء معه ومثله من علوم العقل المدركة بالنظر ، فهذا الصنف الثالث الذي هو علم الأسرار العالم به يعلم العلوم كلها ويستغرقها ، وليس صاحب تلك العلوم كذلك ، فلا علم أشرف من هذا العلم المحيط الحاوي على جميع المعلومات ، وما بقي إلا أن يكون المخبر به صادقا عند السامعين له معصوما ، هذا شرطه عند العامة ، وأما العاقل اللبيب الناصح نفسه فلا يرمي به ، ولكن يقول : هذا جائز عندي أن يكون صدقا أو كذبا ، وكذلك ينبغي لكل عاقل إذا أتاه بهذه العلوم غير المعصوم ، وإن كان صادقا في نفس الأمر فيما أخبر به ، ولكن كما لا يلزم هذا السامع له صدقه لا يلزمه تكذيبه ، ولكن يتوقف ، وإن صدّقه لم يضره ، لأنه أتى في خبره بما لا تحيله العقول ، بل بما تجوّزه أو تقف عنده ، ولا يهد ركنا من أركان الشريعة ، ولا يبطل أصلا من أصولها ، فإذا أتى بأمر جوزه العقل وسكت عنه الشارع فلا ينبغي لنا أن نرده أصلا ، ونحن مخيرون في قبوله إن كانت حالة المخبر به تقتضي العدالة لم يضرنا قبوله ، كما تقبل شهادته ونحكم بها في الأموال والأرواح ، وإن كان غير عدل في علمنا فننظر ، فإن كان الذي أخبر به حقا بوجه ما عندنا من الوجوه المصححة قبلناه ، وإلا تركناه في باب الجائزات ولم نتكلم في قائله بشيء ، فإنها شهادة مكتوبة نسأل عنها ، قال تعالى : (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) ولو لم يأت هذا المخبر إلا بما جاء به المعصوم فهو حاك لنا ما عندنا من رواية عنه ، فلا فائدة زادها عندنا بخبره ، وإنما يأتون رضي الله عنهم بأسرار وحكم من أسرار الشريعة ، مما هي خارجة عن قوة الفكر والكسب ، ولا تنال أبدا إلا بالمشاهدة والإلهام وما شاكل هذه الطرق ، ومن هنا تكون الفائدة بقوله عليهالسلام : [إن يكن من أمتي محدّثون فمنهم عمر] وقوله في أبي بكر في فضله بالسر غيره ، ولو لم يقع الإنكار لهذه العلوم في الوجود لم يفد