قول أبي هريرة [حفظت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعاءين ، فأما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته قطع مني هذا البلعوم] ولم يفد قول ابن عباس حين قال في قول الله عزوجل (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) لو ذكرت تفسيره لرجمتموني ، وفي رواية لقلتم إني كافر ، ولم يكن لقول الرضي من حفدة علي بن أبي طالب رضي الله عنه معنى ، إذ قال :
يا رب جوهر علم لو أبوح به |
|
لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا |
ولاستحل رجال مسلمون دمي |
|
يرون أقبح ما يأتونه حسنا |
فهؤلاء كلهم سادات أبرار فيما أحسب واشتهر عنهم ، قد عرفوا هذا العلم ورتبته ومنزلة أكثر العالم منه ، وأن الأكثر منكرون له ، وينبغي للعاقل العارف أن لا يأخذ عليهم في إنكارهم ، فإنه في قصة موسى مع خضر مندوحة لهم ، وحجة للطائفتين ، وإن كان إنكار موسى عن نسيان لشرطه ولتعديل الله إياه ، وبهذه القصة عينها نحتج على المنكرين ، لكنه لا سبيل إلى خصامهم. واعلم أن كل علم إذا بسطته العبارة حسن وفهم معناه أو قارب وعذب عند السامع الفهم فهو علم العقل النظري ، لأنه تحت إدراكه ومما يستقل به لو نظر ، إلا علم الأسرار ، فإنه إذا أخذته العبارة سمج واعتاص على الأفهام دركه وخشن ، وربما مجته العقول الضعيفة المتعصبة التي لم تتوفر لتصريف حقيقتها التي جعل الله فيها من النظر والبحث ، وأما علوم الأحوال فمتوسطة بين علم الأسرار وعلم العقول ، ثم لتعلم أنه إذا حسن عندك وقبلته وآمنت به فأبشر أنك على كشف منه ضرورة وأنت لا تدري ، لا سبيل إلا هذا ، إذ لا يثلج الصدر إلا بما يقطع بصحته ، وليس للعقل هنا مدخل ، لأنه ليس من دركه إلا إن أتى بذلك معصوم ، حينئذ يثلج صدر العاقل ، وأما غير المعصوم فلا يلتذ بكلامه إلا صاحب ذوق.
(قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) (٦٦)
اعلم أن الأنبياء أصحاب الشرائع هم أرفع عباد الله من البشر ، ومع هذا لا يبعد أن يخص الله المفضول بعلم ليس عند الفاضل ، ولا يدل تميزه عنه أنه بذلك العلم أفضل منه ،