مَعْلُومٌ) فهم عمار السموات ، وجعل منهم الأرواح المطهرات ، المعتكفين بأشرف الحضرات ، وجعل منهم الملائكة المسخرات ، والوكلاء على ما يخلقه الله من التكوينات ، فوكل بالأرجاء الزاجرات والأنباء المرسلات ، وبالإلهام واللمات الملقيات ، وبالتفصيل والتصوير والترتيب المقسمات ، وبالترغيب والترحيب الناشرات ، وبالترهيب الناشطات ، والتشتيت النازعات ، وبالسوق السابحات ، وبالاعتناء السابقات ، وبالأحكام المدبرات. ثم أدار في جوف هذا الفلك كرة الأثير ، أودع فيها رجوم المسترقات الطارقات ، ثم جعل دونه كرة الهواء أجرى فيه الذاريات العاصفات ، السابقات الحاملات المعصرات ، وموّج فيه البحور الزاخرات الكائنات من البخارات المستحيلات ، ويسمى دائرة كرة الزمهرير ، تتعلم منه صناعة التقطير ، وأمسك في هذه الكرة أرواح الأجسام الطائرات ، وأظهر في هاتين الكرتين الرعود القاصفات ، والبروق الخاطفات ، والصواعق المهلكات ، والأحجار القاتلات ، والجبال الشامخات ، والأرواح الناريات الصاعدات النازلات ، والمياه الجامدات. ثم أدار في جوف هذه الكرة كرة أودع فيها سبحانه ما أخبرنا به في الآيات البينات ، من أسرار إحياء الموات ، وأجرى فيها الأعلام الجاريات ، وأسكنها الحيوانات الصامتات ، ثم أدار في جوفها كرة أخرى أودع فيها ضروب التكوينات من المعادن والنباتات والحيوانات ، فأما المعادن فجعلها عزوجل ثلاث طبقات : منها المائيات والترابيات والحجريات ، وكذلك النبات : منها النابتات والمغروسات والمزروعات ، وكذلك الحيوانات : منها المولدات المرضعات والحاضنات والمعفنات ، ثم كون الإنسان مضاهيا لجميع ما ذكرناه من المحدثات ، ثم وهبه معالم الأسماء والصفات ، فمهدت له هذه المخلوقات المعجزات ، ولهذا كان آخر الموجدات ، فمن روحانيته صح له سر الأولية في البدايات ، ومن جسميته صح له الآخرية في الغايات ، فبه بدء الأمر وختم ، إظهارا للعنايات وأقامه خليفة في الأرض ، لأن فيها ما في السموات ، وأيده بالآيات والعلامات والدلالات والمعجزات ، واختصه بأصناف الكرامات ، ونصب به القضايا المشروعات ، ليميز الله به الخبيثات من الطيبات ، فيلحق الخبيث بالشقاوات في الدركات ، ويلحق الطيب بالسعادات في الدرجات ، كما سبق في القبضتين اللتين هما صفتان للذات ، فسبحان مبدىء هذه الآيات ، وناصب هذه الدلالات ، على أنه واحد قهار الأرض والسموات.