(وَإِذا أُلْقُوا مِنْها) يعني من جهنم (مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) فإن النفوس تكون في أشد ألم ، وأضيق حبس ، إذا شقيت وحبست في المكان الضيق ، لأن الأرواح من عالم السعة والانفساح بالأصل ، فإذا انحصرت في هذا العالم الضيق بما اكتسبت كان الضيق عليها أشد عذابا ، فإن الضيق نقيض الرحمة. والثبور الهلاك.
(لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) (١٤)
ثبورا لا يتناهى ، فإن عذابكم لا يتناهى.
(قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) (١٧)
النجاة مطلوبة لكل نفس ولأهل كل ملة ، فهي محبوبة للجميع ، غير أنهم لما جهلوا الطريق الموصل إليها فكل ذي نحلة وملة يتخيل أنه على الطريق الموصل إليها ، فالقدح الذي يقع بين أهل الملل والنحل إنما هو من جهة الطرق التي سلوكها للوصول إليها ، لا من جهتها ، ولو علم المخطىء طريقها أنه على خطأ ما أقام عليه.
(قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) (١٩)
الظلم هنا الذي جاء في قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) وليس إلا الظلم الذي قال فيه لقمان لابنه (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) كذا فسره رسول الله صلىاللهعليهوسلم.