نفس الأمر ، وقد يكون حديثا بالنسبة إلى وجوده عندك في الحال ، وهو أقدم من ذلك الحدوث ، وذلك إن أردت بالقدم نفي الأولية فليس إلا كلام الله ، وإن أردت به غير نفي الأولية فقد يكون حادثا في نفسه ذلك الشيء عندك ، وقد يكون حادثا بحدوثه عندك ، أي ذلك زمان حدوثه. والذكر كلام الله ، والكلام صفته فله القدم وإن حدث الإتيان ، فوصف الحق الذكر بأنه محدث لأنه حدث عندهم ، وإن كان قديما في نفس الأمر من حيث أنه كلام الله ، فقد كان له الوجود وعين المخاطب مفقود ، فكان محدثا عندهم لا في عينه ، فذكر القرآن أمان ، ويجب به الإيمان أنه كلام الرحمن ، مع تقطيع حروفه في اللسان ، ونظم حروفه فيما رقمه باليراع البنان ، فحدثت الألواح والأقلام ، وما حدث الكلام ، وحكمت على العقول الأوهام ، بما عجزت عن إدراكه الأفهام ، ذكر المخلوق ما يصح قدمه ، ولو ثبت لاستحال عدمه ، فالحادث لا يخلو من الحوادث ، لو حل بالحادث الذكر القديم ، لصح قول أهل التجسيم ، القديم لا يحل ولا يكون محلا ، ولو كان محلا لكان محلا ، فلا يوصف بغير وصفه ، فالذكر القديم ذكر الحق ، وإن حكى ما نطق به الخلق ، كما أن ذكر الحادث ما نطق به لسان الخلق ، وإن تكلم بالقرآن الحقّ (إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) والإعراض هو ما يقوم بك ، أو بمن يخاطبك ، أو يجالسك ، فذكر الله إعراضهم عن ذكر الرحمن ، مع العلم منهم بأنه القرآن ، والقرآن كلامه وهو الذي حدث عندهم ، فذم تعالى من لم يتلقاه بالقبول. وكلامه علمه ، وعلمه ذاته ، فهو الذي حدث عندهم فعنه أعرضوا ـ إشارة ـ قال تعالى (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) وقال تعالى (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) فلم يجر لاسم من أسماء الشقاء ذكر في الإتيان ، إنما هو رب أو رحمن ، ليعلمنا بما في نفسه لنا ، فالرحمة والنعمة والإحسان في البدء والعاقبة والمآل.
(فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩) وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢)