وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢١)
قال هذا الكلام موسى عليهالسلام لفرعون وآله ، فإنه لما وقع من موسى عليهالسلام ما وقع من قتل القبطي ففرّ إلى النجاة ، التي يمكن أن تحصل له بالفرار ، فإنه علم أن الله وضع الأسباب ، وجعل لها أثرا في العالم بما يوافق الأغراض وبما لا يوافقها ، وبما يلائم الطبع وبما لا يلائمه ، فرأى أن الفرار من الأسباب الإلهية الموضوعة في بعض المواطن لوجود النجاة ، فهو فرار طبيعي ، لأنه ذكر أن الخوف من السبب جعله يفر ، لكنه معرّى عن التعريف بما ذكرناه من الوضع الإلهي ، فإن هذا كان قبل نبوته ومعرفته بما يريده الحق به. ويحتمل أن يكون فرار موسى عليهالسلام الذي علله بالخوف من فرعون وقومه ، ما كان خوفه إلا من الله أن يسلطهم عليه ، إذ له ذلك ، فإنه فعال لما يريد ، ولا يدري ما في علم الله ، فكان فراره إلى ربه ليعتز به (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) فلما فر خوفا من فرعون ، تلقاه الحق بالنجاة ، وجمع بينه وبين رسول من رسله ، وهو شعيب عليهماالسلام ، ثم أعطاه النبوة والحكم ، الذي خاطب الله به القبط وبني اسرائيل أن يكونوا عليه ، فوهبه ربه حكما وعلما ، وجعله من المرسلين إلى من خاف منهم ، بالاعتزاز بالله ، وأيده الله بالآيات البينات ، ليشد منه ما ضعف مما يطلبه حكم الطبيعة في هذه النشأة ، فجعله من المرسلين إلى من خاف أن يسلّط عليه ، وهو فرعون ، فكان موسى عليهالسلام خليفة رسولا ، لأن الرسول لا يكون حاكما حتى يكون خليفة ، وكان ذلك نتيجة الفرار من