ثم تنتهي المدة في القيامة إلى الفصل بينها وبين دخول الدارين ، ثم تنتهي المدة في النار في حق من هو فيها من أهل الجنة إلى الفصل الذي بين الإقامة فيها والخروج منها بالشفاعة والمنة ، ثم تنتهي المدة في عذاب أهل النار الذين لا يخرجون منها إلى الفصل بين حال العذاب وبين حصول حكم الرحمة التي وسعت كل شيء ، فهم يتنعمون في النار باختلاف أمزجتهم ، ثم لا يبقى بعد ذلك أجل ظاهر بالمدة ، ولكن آجال خفية دقيقة ، وذلك أن المحدث الدائم العين ، من شأنه تقلب الأحوال عليه ليلزمه الافتقار إلى دوام الوجود له دائما ، فلا تفارق أحواله الآجال ، فلا يزال في أحواله بين سابقة وخاتمة (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ).
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٩)
السير في الأرض هو السياحة في نواحيها ليرى آثار ربه فيما يراه منها (أَوَلَمْ يَسِيرُوا) بأقدامهم وأفكارهم.
(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (١١)
(اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) إن الله هو الحكيم الخبير ، وهو على كل شيء قدير ، وأنه قبل كل شيء ، أوجد الأشياء لا من شيء ، ولكن مع اتصافه بهذه القدرة المحققة ، النافذة المطلقة ، لم يوجد المعادن ابتداء حتى خلق سبحانه وتعالى الأفلاك العلوية ، والروحانيات السماوية ، واللمحات الأفقية ، وأودع كل فلك روحانية كوكبية ، تحتوي على خاصية ، وعند وجودها خلق الأرض والماء والهواء والأثير ، ثم أوجد فيها منها دائرة الزمهرير ، ثم أجرى الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ، وخص كل متكون عن هذه الأجزاء بسر