(أَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ) في شأنه وذاته عما يليق بسمات الحدوث وصفات المحدثات (الْكَبِيرُ) بما نصبه المشركون من الآلهة ، ولهذا قال الخليل في معرض الحجة على قومه ، مع اعتقاده الصحيح أن الله هو الذي كسر الأصنام المتخذة آلهة حتى جعلها جذاذا ، مع دعوى عابديها بقولهم (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فنسبوا الكبر له تعالى على آلهتهم ، فقال إبراهيم عليهالسلام (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) فلو نطقوا لاعترفوا بأنهم عبيد ، وأن الله هو الكبير العلي العظيم.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٣١)
(لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) آياته هي الدلائل عليه ، ولما كانت الدار دار بلاء لا يخلص فيها النعيم عن البلاء وقتا واحدا ، وأقله طلب الشكر من المنعم بها عليها ، وأي تكليف أشق منه على النفس؟ يؤيد ذلك قوله تعالى في حق راكب البحر (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) إذا اشتد الريح عليه وبرد ، فبما فيها من النعمة يطلب منه الشكر عليها ، وبما فيها من الشدة والخوف يطلب منه الصبر.
(وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) (٣٣)
يا ربنا أسمعتنا فسمعنا ، وأعلمتنا فعلمنا ، فاعصمنا ، وتعطف علينا ، فالمنصور من نصرته ، والمؤيد من أيدته ، والمخذول من خذلته ، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ