خلاف ما خلق له (قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ) أي قدّرتك (مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) المقصود هو شيئية الوجود لأنه جاء بلفظة تك ، وهي حرف وجودي فنفاه بلم ، أي ما كانت لك شيئية الوجود ، وهي على الحقيقة شيئية الظهور ، فإياك أن تتوهم أن هذا الخطاب لزكريا في حق نفسه لإبطال المعنى فيه ، فإن خلق ابنه أعجب من خلقه في حكم العادة ، لأن زكريا عليهالسلام قد أظهر العلة ، فلو أحاله على خلق نفسه لما أتاه بأعجب مما تعجب منه ، وإنما أشار إليه بذلك أن ينظر في أول موجود ، وهي الحقيقة الإنسانية قبل كل شيء ، وهي أم الأشياء كلها وليست من شيء ، وهي سبب كل شيء ، وليست مسببة لشيء ، ولهذا قال له (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) فإن هذا الخلق الترابي الآدمي مسبب عن أشياء ، قال الله تعالى في خلق الجسد الآدمي (خلقكم من تراب) ثم قال (من طين) وهو خلط الماء والتراب ، وقال (من حمأ مسنون) وهو المتغير الريح وهو جزء الهواء ، وقال (من صلصال كالفخار) وهو جزء النار ، فهذه أمهات الجسد الآدمي ، وهي كثيرة ، فلا يصح على هذا قوله (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) فإنه قد كان شيئا وانتقل في أطوار العالم من شكل إلى شكل حتى صار على هذه الصفة ، فقوله على ما تعطيه الحقائق ويعظم التعجب عند زكريا عليهالسلام (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) إنما يشير إلى البروز الأول من غير شيء ، لأن زكريا عليهالسلام إنما تعجب من بشراه له تعالى بيحيى على كبره وامرأته عاقر ، فذكر له ما هو أعجب من ذلك وهو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود ، فإن النقلة في مراتب الوجود من وجود إلى وجود باختلاف الأحوال أهون من إبراز المعدوم ، فلهذا كان أعجب مما تعجب منه زكريا ، ومن هذا تعجبت امرأة إبراهيم عليهالسلام حين بشرت باسحاق عليهالسلام ، فقالت (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) فشرّك الله تعالى بين المرأة والرجل في هذا التعجب ، فشرّك بينهما في العلم ، لأن التعجب على قدر العلم ، ف (لَمْ تَكُ شَيْئاً) يعني ولم تك موجودا ، فظهر لعينه وإن كان في شيئية ثبوته ظاهرا متميزا عن غيره بحقيقته ، ولكن لربه لا لنفسه ، يقول لزكريا عليهالسلام : فكن معي في حال وجودك من عدم الاعتراض في الحكم والتسليم لمجاري الأقدار كما كنت في حال عدمك. ويقول للإنسان : ينبغي لك أن تكون وأنت في وجودك من الحال معي كما كنت وأنت في حال عدمك من قبولك لأوامري وعدم اعتراضك. يأمره بالوقوف عند