حدوده ومراسمه ، فيتكلم حيث رسم له أن يتكلم ، ويتكلم بما أمره به أن يتكلم ـ راجع آية ٢١ ـ.
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (١١)
أمر الله تعالى زكريا عليهالسلام بصمت ثلاثة أيام ، وأن يأمر قومه بالذكر بكرة وعشية ، ليسوي بذلك بين ظاهره مع وجود باطنه فيحيا ، ويستعين بذكر قومه لمناسبتهم إياه إذ كانوا لا يصلحون للصمت ، فالذكر أولى بهم.
(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (١٢)
يعني حكم الإمامة وهو مقام الإمامة مع تسميته صبيا ، فإن الصبي من صبا أي مال ، وبذلك سمي الصبي صبيا لميله إلى حكم الطبيعة ونيل أغراضه ، فهو مائل إلى شهواته ، والحكم هو القضاء المحكوم به على المحكوم عليه ، ولما كان الناس إنما يستغربون الحكمة من الصبي الصغير دون الكبير ، لأنهم ما عهدوا إلا الحكمة الظاهرة عن التفكر والروية ، وليس الصبي في العادة بمحل لذلك ، فيقولون إنه ينطق بها فتظهر عناية الله بهذا المحل الظاهر ، فزاد يحيى بأنه على علم بما نطق به علم ذوق ، لأن مثل هذا في هذا الزمان والسن لا يصح أن يكون إلا ذوقا ، فآتاه الله الحكم صبيا وهو حكم النبوة التي لا تكون إلا ذوقا ، فيحيى آتاه الله الحكم صبيا ولم يجعل له من قبل سميا.
(وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) (١٥)
شهادة إلهية مقطوع بها عناية من غير تعمل ، وقد قال عيسى عليهالسلام (والسلام علي يوم ولدت) فسلّم بالتعريف ، وهنا سلّم الحق على يحيى عليهالسلام بالتنكير ، والتنكير