إليهم ، وهو يقول لهم : أطيعوا الله يا مساكين ، فإنكم من طين خلقتم ، وأخاف أن تطبخ النار هذه الأواني فتردها فخّارا ، فهل رأيتم قط آنية من طين تكون فخارا من غير أن تطبخها نار؟ يا مساكين لا يغرنكم إبليس بكونه يدخل النار معكم ، وتقولون : الله يقول (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) إبليس خلقه الله من نار ، فهو يرجع إلى أصله ، وأنتم من طين تتحكم النار في مفاصلكم ، يا مساكين انظروا إلى إشارة الحق في خطابه إبليس بقوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ) وهنا وقف ، ولا تقرأ ما بعدها ، فقال له : (جَهَنَّمَ مِنْكَ) وهو قوله : (خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) فمن دخل بيته وجاء إلى داره واجتمع بأهله ما هو مثل الغريب الوارد عليه ، فهو راجع إلى ما به افتخر ، قال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ) فسروره رجوعه إلى أصله ، وأنتم يا مناحيس تتفخر بالنار طينتكم ، فلا تسمعوا من إبليس ، ولا تطيعوا واهربوا إلى محل النور تسعدوا ، يا مساكين أنتم عمي ما تبصرون الذي أبصره أنا.
(الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) (٨)
قال تعالى موعدا ومبينا (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) الآية ـ الحد الضابط للإحسان في العمل أن تعبد الله كأنك تراه ، وما عدا هذا فهو سوء عمل فيراه حسنا ، إما ببذل الوسع في الاجتهاد فيكون وفّى الأمر حقه ولكنه أخطأ ، وهو صاحب عمل ، فيكون رؤية سوء العمل حسنا بعد الاجتهاد ، وإما أن يكون في المشيئة فلا يدري بما يختم له ، إذا لم يكن عن استيفاء الاجتهاد بقدر الوسع ورآه حسنا عن غير اجتهاد ، وهذه الآية موطن حيرة ، فقد قال تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) ببنية ما لم يسم فاعله ، فلا يدري من زيّنه؟ هل هو تزيين الله؟ أو تزيين الشيطان؟ أو تزيين الحياة الدنيا؟ ولكن من قوله تعالى : (سُوءُ عَمَلِهِ) عرفت من زينه وإن لم يذكره ، ومع هذا فالاحتمال لا يرتفع عنه تعالى ، فإن الله يقول في مثل هذا (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) فجاء بنون الكناية