عن نفسه ، ولذا قال تعالى : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) أي يحيره في مثل هذا ، حيث وصفه بالسيّىء والحسن ، فإن سوء العمل ما كان يتصف بالحسن بالرؤية حتى قبل العمل صفة الحسن في وجه من الوجوه الوجودية ، فهو سوء بالخبر حسن بالرؤية ، فكأن الرؤية لا تصدق الخبر ، وشاهد الرؤية أقطع ، والناس يطلبون أن يصدّق الخبر الخبر والخبر الرؤية ، ولم نر أحدا يطلب أن يصدق الخبر الرؤية كما يصدق الخبر الخبر ، وهنا كان موطن الحيرة ، فإنه من المكر الإلهي الذي يعطي الحسن في السوء ، فقال تعالى : (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي يوفق للإصابة في معنى السوء والحسن لهذا العمل ما معناه ، وكيف ينبغي أن يأخذه ، فإذا جاءت الزينة مهملة غير منسوبة فإنك لا تدري من زينها لك ، فانظر ذلك في موضع آخر واتخذه دليلا على ما انبهم عليك ، مثل قوله : (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) ومثل قوله : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) ولم يذكر من زينه ، فتستدل على من زينه من نفس العمل ، فزينة الله غير محرمة ، وزينة الشيطان محرمة ، وزينة الدنيا ذات وجهين : وجه إلى الإباحة والندب ووجه إلى التحريم ، فمن أراد أن يعتصم من التزيين فليقف عند ظاهر الكتاب والسنة ، لا يزيد على الظاهر شيئا ، فإن التأويل قد يكون من التزيين ، فما أعطاه الظاهر جرى عليه ، وما تشابه وكل علمه إلى الله وآمن به ، فهذا متبع ليس للتزيين عليه سبيل ، ولا يقوم عليه حجة عند الله (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) فهو الذي يرزق الإصابة في النظر والذي يرزق الخطأ (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) أي فلا تكترث لهم حسرة عليهم ، فهي بشرى من الله بسعادة الجميع ، فإنه ما حيل بينه صلىاللهعليهوسلم وبين إنسانيته ، فهو إنسان في كل حال ، ولا تزول الحسرات عنه ـ وهو إنسان كامل ـ إلا باطلاعه على سعادتهم في المآل ، فلا يبالي من العوارض ، فإن السوء للعمل عارض بلا شك والحسن له ذاتي ، وكل عارض زائل وكل ذاتي باق لا يبرح (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) أي خبير عن ابتلاء (بِما يَصْنَعُونَ) من كل ما يظهر فيكم من الأعمال وعنكم ، وفي هذه الآية لطيفة وسر خفي من لطف الله ، يلقن الله فيها عبده المؤمن الحجة إذا كان فطنا ، فإن المحب ما أحب إلا ما هو جمال عنده ، لا بد من حكم ذلك ، ففي هذه الآية ما رأى العبد سوء عمله حسنا ، وإنما رأى الزينة التي زين له بها ، فإذا كان يوم القيامة ورأى قبح العمل فر منه ، فيقال له : هذا الذي كنت تحبه وتتعشق به وتهواه ، فيقول المؤمن : لم يكن حين أحببته بهذه الصورة ولا بهذه الحلية ، أين