الوجود لله ، فما عنده سوى تنزيه مجرد ، فإذا عقد عليه ، فكل ما أتاه من ربه فخالف عقده ، فإنه يرده ويقدح في الدلالة التي تعضد ما جاءه من عند ربه ، فمن اعتنى الله به عصمه قبل اصطفائه من علوم النظر ، واصطنعه لنفسه وحال بينه وبين طلب العلوم النظرية ، ورزقه الإيمان بالله وبما جاء من عند الله على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، هذا في هذه الأمة التي عمت دعوة رسولها ، وإن سعد صاحب النظر العقلي فإنه لا يكون أبدا في مرتبة الساذج الذي لم يكن عنده علم بالله إلا من حيث إيمانه وتقواه ، وهذا هو وارث الأنبياء في هذه الصفة ، فهو معهم وفي درجتهم هذه ، فالمصطفى هو الولي ، ثم قال في المصطفين : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) ومن ظلم لنفسه حمل الأمانة (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) وهو آدم ومن كان بهذه المثابة. واعلم أن للنفس حقا فإذا جني عليها وعفوت فأنت الظالم المصطفى ، وهو الأول من الثلاثة ، لم يأخذ لها حقها ممن ظلمها ، وعاد أجرها على الله ، ومنهم ظالم لنفسه ، وهو أن يمنعها حقها من أجلها ، أي الحق الذي لك يا نفسي عليّ في الدنيا نؤخره لك إلى الآخرة ، وبادر هنا إلى الكد والاجتهاد وأخذ بالعزائم ، واجتنب الميل إلى الرخص ، وهذا كله حق لها ، فهو ظالم لنفسه نفسه من أجل نفسه ، ولهذا قال فيمن اصطفاهم (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) أي من أجل نفسه ليسعدها ، فما ظلمها إلا لها ، فمن ورثة الكتاب الظالم لنفسه بما يجهدها عليه ، فهو يظلم نفسه فيما لها من الحق لنفسه ، فهو في الوقت صاحب عذاب وألم لا يريد دفعه عنه ، لأنه استعذبه وهان عليه حمله في جنب ما يطلبه ، فإنه يطلب سعادته ، وهو ظالم لنفسه أي من أجل نفسه بأنه لا يوفيها حقها ، لنزوله في العلم عن رتبة من يعلم أن حقائقه التي هو عليها لا تتداخل ، ولا تتعدى كل حقيقة مرتبتها ، ولا تقبل إلا ما يليق بها ، فإن الإنسان مجموع أمور أنشأه الله عليها ، طبيعية وروحانية وإلهية ، فلا تقبل العين إلا السهر والنوم وما يختص بها ، ولا تقبل من الثواب إلا المشاهدة والرؤية ، والأذن لا تقبل في الثواب إلا الخطاب ، إذ ليس الشهود للسمع ، والكامل يسعى لقواه على قدر ما تطلبه ، وهو إمام ناصح لرعيته ليس بغاش لها ، فإن ظلمها فإنما يظلمها لها في زعمه ، وذلك لجهله بما علم غيره من ذلك ، كسلمان الفارسي وأخيه في الله أبي الدرداء في حالهما ، فرجح رسول الله صلىاللهعليهوسلم سلمان ، فإنه كان يعطي كل ذي حق حقه ، فيصوم ويفطر ، ويقوم وينام ، وكان أبو الدرداء مع كونه مصطفى ظالما لنفسه ، يصوم فلا يفطر ، ويقوم فلا ينام ، هذا هو