ظلم المصطفين من عباد الله ، لا ظلم يتعدى الحدود الإلهية ، فإن من يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه ، وأما الظالم لنفسه فلعلمه بقدرها عند الله ، فهو يظلم لها لا يظلمها ، فيعطى كل ذي حق حقه إلا الحق ، فإنه لا يعطيه كل حقه ، بل يعطيه من حقه تعالى ما يسمى به أديبا ، وما لا يسمى به أديبا يظلمه فيه من أجل نفسه ، حتى يلحق برتبة الأنبياء ، فمثل هذا الظلم من الفضل الإلهي على عبده ، فمن كان مشهده هذا سمي ظالما لنفسه مع أنه مصطفى ، وما أوقفه على ذلك إلا علمه بالكتاب ، فهو يحكم به ، (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو الذي اقتصد في كل موطن على ما يقتضيه حكم الموطن لا بحكم نفسه ، وهم أهل الله السابقون إلى الخيرات على طريق الاقتصاد من إعطاء كل ذي حق حقه ، فمشهد الظالم ما يجب للحق فلا ينسبه إليه ، ومشهد المقتصد المواطن وما تستحق ، فالظالم يدخل في حكم المقتصد ، ولهذا كان المقتصد وسطا ، لأنه على حقيقة ليست للطرفين ، وفيه حكم الطرفين ، ما يحتاج إليه أو يندرج فيه (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) وأما السابق بالخيرات فهو الذي يتهيأ لحكم المواطن قبل قدومها عليه ، وتجتمع هذه الأحوال في الشخص الواحد ، فيكون ظالما مقتصدا سابقا بالخيرات (بِإِذْنِ اللهِ) أي كل ذلك بأمر الله (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) الضمير من (هُوَ) يعود على السبق الذي يدل عليه اسم الفاعل ، فالمصطفون عند أولي الألباب ، ثلاثة بنص الكتاب ، ظالم لنفسه في أبناء جنسه ، والثاني مقتصد وعليه المعتمد ، فإنه حكيم الوقت بعيد عن المقت ، والثالث سابق بالخيرات إلى الخيرات ، وهو الساعي صاحب السمع الواعي ، وأما المقتصد فما زاد على زاده على قدر اجتهاده ، وأما الظالم فهو المحكوم عليه للحاكم ، فمن ظلم ما حكم ، ومن اقتصد ما اعتضد ، وقنع واكتفى ، ومن سبق حاز الأمر وظفر ، والكتاب قد شمل الجميع ، وإن كان فيهم الأرفع والرفيع ، فالكل وارث فإنه حارث ، وأصحاب السهام متفاضلون ، فمنهم المقلون ومنهم المكثرون ، فما تميز الرجال إلا بالأحوال في الأعمال ، فكن من شئت من هؤلاء ، وهؤلاء الثلاثة هم الورثة الذين قال فيهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم [العلماء ورثة الأنبياء] والوارث الكامل من ورث رسول الله صلىاللهعليهوسلم علما وعملا وحالا ، فقوله تعالى في الوارث المصطفى إنه ظالم لنفسه يريد حال أبي الدرداء وأمثاله من الرجال ، الذين ظلموا أنفسهم لأنفسهم ، أي من أجل أنفسهم حتى يسعدوها في الآخرة ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : [إن لنفسك