لسان العرب ، ولم تدخل الأرواح المهيمة فيمن خوطب بالسجود ، فإن الله ما ذكر أنه خاطب إلا الملائكة ، فقال : (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) وهم هذه الأرواح المهيمة في جلال الله ، لا تعلم أن الله خلق آدم ولا شيئا لشغلهم بالله ، أي هل أنت من هؤلاء الذين ذكرناهم فلم تؤمر بالسجود؟ فالعالون هم العابدون بالذات لا بالأمر ، ما أمروا بالسجود لأنهم ما جرى لهم ذكر في تعريف الله إيانا ، ومن العالين اللوح والقلم فلا يتمكن لهم إنكار آدم الإنسان الكامل ، والقلم قد سطره ، واللوح قد حواه ، فإن القلم لما سطره سطّر رتبته وما يكون منه ، واللوح قد علم علم ذوق ما خطه القلم فيه ، وأما الأرواح المهيمة فإن الله خلقها في العماء وهيّمها في جلاله ، ثم خلق الخلق فشغلهم هيمانهم في جلال جماله أن يروا سواه ، فهم الذين لا يعرفون أن الله خلق أحدا ، فأعلاهم الحق أن يكون شيء من الخلق لهم مشهودا ولا نفوسهم ، فهم عبيد اختصهم الله لذاته ، والتجلي لهم دائم ، وهم فيه هائمون لا يعلمون ما هم فيه ، فهم لا يشهدون علو الحق ، لأنه لا يشهد علو الحق إلا من شهد نفسه ، وهم في أنفسهم غائبون ، فهم أرفع الأرواح العلوية ، وكل روح لا يعطي رسالة فهو روح ، لا يقال فيه : ملك إلا مجازا. فالعالون ليسوا بملائكة من حيث الاسم ، فإنه موضوع للرسل منهم خاصة ، فمعنى الملائكة الرسل ، وهو من المقلوب وأصله مألكة ، والألوكة الرسالة والمألكة الرسالة ، فما تختص بجنس دون جنس ، ولهذا دخل إبليس في الخطاب بالأمر بالسجود لما قال الله للملائكة (اسْجُدُوا) لأنه ممن كان يستعمل في الرسالة فهو رسول ، فأمره الله فأبى ، فالرسالة جنس حكم يعم الأرواح الكرام البررة السفرة والجن والإنس ، من كل صنف من أرسل ، فكان قوله تعالى لإبليس (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) بحسب ما يليق بجلاله على جهة التشريف الإلهي الذي خص به آدم بخلقه بيديه ، إذ اليد بمعنى القدرة لا شرف فيها على من شرف عليه ، واليد بمعنى النعمة مثل ذلك ، فإن النعمة والقدرة عمت جميع الموجودات ، فلا بد أن يكون لقوله بيدي أمر معقول له بخصوص وصف بخلاف هذين وهو المفهوم من لسان العرب الذي نزل القرآن بلغتهم ، فإذا قال صاحب اللسان : إنه فعل هذا بيده ، فالمفهوم منه رفع الوسائط (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) على طريق الاستفهام بما هو به عالم ، ليقيم شهادته على نفسه بما ينطق به. ـ مسئلة ـ هذه الآية من أدل الأدلة على إثبات الأسباب عند الله ، فإن الله قادر أن يكون