آدم ابتداء من غير تخمير ولا توجه يديه ولا تسوية ولا تعديل لنفخ روح ، بل يقول له : كن فيكون ، ومع هذا خمر طينته بيديه وسواه وعدله ، ثم نفخ فيه الروح ، وعلمه الأسماء ، وأوجد الأشياء على ترتيب. فقال إبليس.
(قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٧٦)
فاستكبر على آدم لا على أمر الله ، وما كان من العالين ، فأخذه الله بقوله ، وكان من الكافرين نعمة الله عليه حين أمر بالسجود لآدم ، وألحقه بالملأ الأعلى في الخطاب بذلك ، فحرمه الله لشؤم النشأة العنصرية ـ راجع سورة الأعراف آية ١١ ـ.
(قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٨٢)
كأن إبليس يري الحق أنه يعلم من نشأة الإنسان قبوله لكل ما يلقى إليه ، فأقسم بالله تعالى فقال : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) وهو مجبور في الإغواء وإن كان من اختياره إبرارا لقسمه بربه ، فإنه وإن سبق له الشقاء فله شبهة يستند إليها في امتثال أمر سيده ، بعد أن حقت الكلمة كلمة العذاب عليه بقوله تعالى : اذهب ، واستفزز ، وأجلب ، وعدهم.
فإنه يجد لذلك تنفيسا.
(إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٨٣)
يعني الذين اصطنعهم الحق لنفسه ، فهم الذين أخلصهم الله إليه مما ألقى إليهم ، وفيهم من نور الحفظ والعصمة ، ولذلك قال تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أي قوة وقهر وحجة ، لأن الله تولى حفظهم وتعليمهم بما جعل فيهم من التقوى ، فلما اتخذوا الله جل جلاله وقاية لم يجد اللعين من أين يدخل عليهم بشيء ، فإنه أينما تولى منه ليدخل