العبد من المخلصين ، ويكون الدين بهذا الحكم مستخلصا من حد من يعطي المشاركة فيه ، فيميل العبد به عن الشريك ، والعهد الخالص هو الذي لما أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ، ثم ولد كل بني آدم على الفطرة ، وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : [كل مولود يولد على الفطرة] وهو الميثاق الخالص لنفسه ، الذي ما ملكه أحد غصبا فاستخلص منه ، بل لم يزل خالصا لنفسه في نفس الأمر طاهرا مطهرا ، فإذا ولد المولود ونشأ محفوظا قبل التكليف ، ولم يرزء في عهده هذا بشيء مما ذكرناه آنفا ، فبقي عهده على أصله خالصا ، وهو الدين الخالص ـ لا المخلص ـ من غير شوب خالطه حتى يستخلصوه منه ، فهو صاحب العهد الخالص فلا يشقى ، وأهل العهد الخالص على منابر لا يحزنهم الفزع الأكبر على نفوسهم ولا على أحد ، لأنهم لم يكن لهم تبع في الدنيا ، وكل من كان له تبع في الدنيا فإنه وإن أمن على نفسه فإنه لا يأمن على من بقي وعلى تابعه ، لكونه لا يعلم هل قصر وفرط فيما أمر به أم لا؟ فيحزنه الفزع الأكبر عليه ـ الوجه الثاني ـ (الدِّينُ الْخالِصُ) أي المستخلص من أيدي ربوبية الأكوان ، ولا يكون ذلك إلا من المخلصين بفتح اللام ، فإن الله إذا اعتنى بهم استخلصهم من ربوبية الأسباب ، فإذا استخلصهم كانوا مخلصين بكسر اللام فالدين الخالص لا يشوبه شيء من عمل لأجل ثواب أو خوف عقاب ، وإنما يقصد امتثال أمر الله إن كان واجبا ، أو إتيان ما رغب الله في إتيانه إن كان تطوعا (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) وهم الذين يجعلون مع الله إلها آخر. اعلم أيدك الله أن عبادة الله بالغيب عين عبادته بالشهادة ، فإن الإنسان وكل عابد لا يصح أن يعبد معبوده إلا عن شهود ، إما بعقل أو ببصر أو بصيرة ، فالبصيرة يشهده العابد بها فيعبده ، وإلا فلا تصح له عبادة ، فما عبد إلا مشهودا لا غائبا ، لذلك قال صلىاللهعليهوسلم : [اعبد الله كأنك تراه] فأمره بالاستحضار وأمره بتصوره في الخيال مرئيا ، فما حجر الله على العباد تنزيهه ولا تخيله ، وإنما حجر عليه أن يكون محسوسا له ، وأعظم من الشرك لا يكون ، وقد قال المشرك (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فما عبدوا الشركاء لأعيانهم ، فإن العبادة لله لا تكون لغير الله أبدا ، فما أخذوا لكونهم عبدوهم ، فإن المشرك ما جحد الله تعالى ، بل أقر به وأقر له بالعظمة والكبرياء على من اتخذه قربة إليه ، فلو لا وضع اسم الألوهية على الشريك ما عبدوه ، فإن نفوس الأناسي بالأصالة تأنف من عبادة المخلوقين ، ولا سيما