من أمثالها ، فأصحبوا عليها الاسم الإلهي حتى لا يتعبدهم غير الله ، لا يتعبدهم مخلوق ، فما جعل المشرك يشرك بالله في وضع هذا الاسم على المخلوق إلا التنزيه لله الكبير المتعالي ، ولكن لا بد من أخذ المشركين لتعديهم بالاسم غير محله وموضعه ، ولم يرد عليه أمر بذلك من الله ، ومن المحال أن ترد عبادة وإن ورد سجود ، فإن الله لا يأمر خلقه ولا يصح أن يأمر خلقه بعبادة مخلوق ، ويجوز أن يأمرنا بالسجود للمخلوق ، فمن سجد عبادة لمخلوق عن أمر الله أو عن غير أمر الله فقد شقي ، ومن سجد غير عابد لمخلوق عن أمر الله كان طاعة وسعد ، فإن المشرك وإن أفرد عظم عظمة الله في قلبه إلى الله فما وقعت المؤاخذة إلا لكون ما وقع من ذلك عن غير أمر الله ، في حق أشخاص معينين ، ونقل الاسم إلى أولئك الأشخاص ، فمن هذا يعلم أنه لا يصح شرك عام ولا تعطيل عام ، وإنما هي أسماء سموها أطلقوها على أعيان محسوسة وموهومة عن غير أمر الله ، فأخذوا بعدم التوقيف ، والسبب في نسبة الألوهية لهذه الصور المعبودة ، هو أن الحق لما تجلى لهم في أخذ الميثاق تجلى لهم في مظهر من المظاهر الإلهية ، فذلك الذي أجرأهم على أن يعبدوه في الصور ، ومن قوة بقائهم على الفطرة أنهم ما عبدوه على الحقيقة في الصور ، وإنما عبدوا الصور لما تخيلوا فيها من رتبة التقريب كالشفعاء ، ومن ذلك نعلم أن العالم لم يزل في حال عدمه مشاهدا لواجب الوجود ، ولهذا لم ينكره أحد من الممكنات في حال وجوده ، إلا أن هذا الموجود الإنساني وحده من بين العالم أشرك بعضه به ممن غلب عليه حجاب الطبع ، وهو ما اعتاد أن يسمع ويطيع ويعبد بالأصالة إلا لرب يشهده ، وقد صير ذلك المعبود حجاب الطبع غيبا له ، فاتخذ ما اتخذ من الموجودات التي يشهدها ويراها ، إما من العالم السماوي كالكواكب ، وإما من العالم الأسفل كالعناصر أو ما تولد عنها ، ربا يعبده على المشاهدة التي اعتادها ، وسكنت نفسه بها إليه ، وتوهم في نظره أن ذلك المتخذ إلها يشهد الحق ، وأنه أقرب إليه منه ، فعبّد نفسه له خدمة ليقربه إلى الله عزوجل ، كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا (ما نَعْبُدُهُمْ) يعني الآلهة التي اتخذوها للعبادة (إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فأكدوه بزلفى ، واتخذوهم شهداء ولذا قال تعالى : (وادعوا شهداءكم إن كنتم صادقين) حيث زعموا أنها تشهد لهم أنهم على الحق ، ورغم أن المشركين جعلوا العظمة والكبرياء لله ، وجعلوا الآلهة التي اتخذوها كالسدنة والحجاب ، فإن قرائن الأحوال تدل على القطع بمؤاخذتهم ، لكونهم اتخذوها عن