(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (١).
وقوله عزّ اسمه :
(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (٢).
فالآية الأولى تشير إلى أنّه تعالى رضي عن بعض المؤمنين الأوّلين الذين هاجروا من مكّة إلى المدينة والذين آووا النبي ومن كان معه ، والذين سوف يتبعونهم بإحسان رضوا عنه تعالى وسلّموا أمورهم إليه سبحانه ، فلا اعتراض على حكمه كما اعترض بعض الصحابة على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في بعض المواقع كما سوف يأتيك بيان ذلك.
فالآية بصدد بيان فضيلة جماعة ممّن آمن وعمل صالحا بحيث رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه في كل شيء وهذا لا يكون إلّا لمن طهرت سيرته واستوت سريرته مع علانيّته ، وهؤلاء قلّة كانوا مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ وليس مدلول الآية أنّ من صدق عليه أنّه مهاجر أو أنصاري أو تابعي يعني أنّ الله تعالى رضي عنه رضى لا سخط بعده أبدا ، سواء أحسن بعد ذلك أو أساء؟. والظاهر أن المراد من الرضا في الآية (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) هو الرضا الذي لا سخط بعده ، فإنّه حكم محمول على طبيعة أخيار الأمة من سابقيهم وتابعيهم في الإيمان والعمل الصالح وهذا أمر لا مداخلة للزمان فيه حتى يصحّ فرض سخط بعد رضا وهو بخلاف قوله تعالى في الآية الثانية : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) فإنه :
«رضى مقيّد بزمان خاص يصلح لنفسه لأن يفرض بعده سخط» (٣).
__________________
(١) سورة التوبة : آية ١٠٠.
(٢) سورة الفتح : آية ١٨.
(٣) تفسير الميزان ج ٩ / ٣٧٦.