أبي الحديد : «إنّ عمر بن الخطّاب هو أول من شيّد بيعة أبي بكر ووقم (١) المخالفين فيها فكسر سيف الزبير لمّا جرّده ، ودفع في صدر المقداد ، ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة ، وقال : اقتلوا سعدا ، قتل الله سعدا! وحطّم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها (٢) المحكّك ، وعذيقها المرجّب ، وتوعّد من لجأ إلى دار فاطمة عليهمالسلام من الهاشميين ، وأخرجهم منها ، ولو لاه لم يثبت لأبي بكر أمر ، ولا قامت له قائمة» (٣).
بعد هذا كله ، هل يصح أن يقال : ارتحل النبيّ الأعظم ولم يوص لأحد من بعده ، أو أنه أوكل اختيار الخليفة إلى عقول الناس المتضاربة؟!!
ولو لم يوص ـ مع علمه المسبق بانشقاق الأمة من بعده وتضارب آرائها ـ لكذّبنا عقولنا وتفكيرنا ، لأن الإسلام جاء رحمة للعالمين ولينقذ الناس من الجاهلية والهمجية ، فدعوى أن النبيّ لم يوص ما هو إلّا اتهاما لهذا الرسول الكريم بعدم الكفاءة والجدارة.
ولو لم يكن محمّد نبيّا مرسلا يعلم عن وحي ويحكم بوحي ، فليكن ـ على الأقل ـ أعظم سياسي في العالم كله لا أعظم منه ، فكيف يخفى عليه مثل هذا الأمر العظيم لصلاح الأمة بل العالم بأسره مدى الدهر؟! أو أنه عليهالسلام يعلم بهذا الاختلاف ولا يضع له حدّا فاصلا؟!!
وهل يرضى لنفسه عاقل يتولى شئون بلده فضلا عن أمة أن يتركها تحت رحمة الأهواء واختلاف الآراء ولو لأمد محدود وهو قادر على إصلاحها ، أو التنويه عن إصلاحها إلّا أن يكون مسلوبا من كل رحمة وإنسانية؟
__________________
(١) وقم المخالفين : أي أذلّهم.
(٢) معنى «أنا جذيلها المحكّك ...» هو أنني ذو رأي يشفى بالاستضاءة به كثير في مثل هذه الحالة ، وأنا في كثرة التجارب في هذه الحالة وأمثالها كالنخلة الكثيرة الحمل.
(٣) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١ / ١٣٥ ، باب نبذة من أخبار عمر.