وأمّا الروايات التي استدل بها القائل بالنسخ فهي على طوائف منها : ما ينتهي بسنده إلى الربيع بن سبرة عن أبيه ، ومنها ما روي عن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، ومنها ما روي عن سلمة بن الأكوع.
«أمّا ما ينتهي سنده إلى سبرة ، فهو وإن كثرت طرقه إلّا أنه خبر رجل واحد «سبرة» وخبر الواحد لا يثبت به النسخ. على أن مضمون بعض هذه الروايات يشهد كذبها ، إذ كيف يعقل أن يقوم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم خطيبا بين الركن والمقام ، أو بين الباب والمقام ، ويعلن تحريم شيء إلى يوم القيامة بجمع حاشد من المسلمين ، ثم لا يسمعه غير سبرة ، أو أنه لا ينقله أحد من ألوف المسلمين سواه ، فأين كان المهاجرون والأنصار الذين كانوا يلتقطون كل شاردة وواردة من أقوال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأفعاله؟ وأين كانت الرواة الذين كانوا يهتمون بحفظ إشارات يد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولحظات عينيه ، ليشاركوا سبرة في رواية تحريم المتعة إلى يوم القيامة؟ ثم أين كان عمر نفسه عن هذا الحديث ليستغني به عن إسناد التحريم إلى نفسه؟! أضف إلى ذلك أنّ روايات سبرة متعارضة ، يكذّب بعضها بعضا ، ففي بعضها أنّ التحريم كان في عام الفتح وفي بعضها أنه كان في حجّة الوداع. وعلى الجملة إن رواية سبرة هذه في تحريم المتعة لا يمكن الأخذ بها من جهات شتى. وأما ما روي عن علي عليهالسلام في تحريم المتعة فهو موضوع قطعا ، وذلك لاتفاق المسلمين على حلّيتها عام الفتح ، فكيف يمكن أن يستدل علي عليهالسلام على ابن عبّاس بتحريمها في خيبر.
وأمّا ما روي عن سلمة بن الأكوع عن أبيه ، قال : «رخّص رسول الله في متعة النساء عام اوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها» فهو خبر واحد ، لا يثبت به النسخ ، على أن ذلك لو كان صحيحا لم يكن خفيا عن ابن عبّاس ، وابن مسعود ، وجابر ، وعمرو ابن حريث ، ولا عن غيرهم من الصحابة والتابعين ، وكيف يصح ذلك ولم يحرّم أبو بكر المتعة أيام خلافته ، ولم يحرّمها عمر في شطر كبير من أيامه ، وإنما حرّمها في أواخر أمره ، هذا مع ثبوت حليتها عند جماعة من الصحابة والتابعين» (١).
__________________
(١) البيان في تفسير القرآن للخوئي ص ٣٢١.