وذكر صاحب كتاب تقييد العلم عن القاسم بن محمّد : إن عمر بن الخطّاب بلغه أنه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتابا إلّا أتاني به فأرى فيه رأيي ، قال : فظنوا أنه يريد ينظر فيها ويقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ، ثم قال : أمنية كأمنية أهل الكتاب.
وقد تبعه على ذلك عثمان ثم معاوية ، وكان الأخير يقول :
«أيّها الناس اتقوا الروايات عن رسول الله إلا ما كان يذكر في زمن عمر» (١).
وأقر عثمان أيضا سيرة الشّيخين فقال :
«لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به على عهد أبي بكر ولا عهد عمر» (٢).
وهكذا مضى من سمّوا أنفسهم بخلفاء رسول الله إلى أن وصل الدور إلى الداهية الأعظم معاوية بن أبي سفيان حيث كتب إلى عماله : «أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ، وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة» (٣).
وبسبب نشر فضائل مولانا أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام قتل معاوية حجر بن عدي ، وقطع لسان رشيد الهجري وصلبه تماما كما فعل بميثم التّمار.
وهكذا تم إخماد الأنفاس التي أرادت التحدّث بسنّة رسول الله ؛ وقد يتساءل المرء لما ذا فعلوا هذا؟
بات الجواب واضحا عند اللبيب ، حيث إن أصحاب السقيفة قد اغتصبوا حقا
__________________
(١) طبقات ابن سعد ج ٥ / ١٧٣.
(٢) منتخب الكنز بهامش مسند أحمد ج ٤ / ٦٤.
(٣) شرح النهج لابن أبي الحديد ، ط / البابي الحلبي ج ٣ / ١٥.