عليه ، ولو كان لتبليغ عموم الصحابة لم يؤخّره إلى غدير خم ، بل كان يقوله في بعض المنازل قبله أو في مكة ، فأمره بالنزول وهو في أثناء السير وانتظار من تخلّف وأمره بردّ من تقدّم ، يدل على أنه لأمر حدث في ذلك الوقت ، مع أنه قال هذا الكلام عقيب الأمر بالتمسك بالكتاب والعترة ، وبيان أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض الذي هو تمهيد لما بعده ، فدلّ على أنه لأمر أهم من مسألة اليمن.
على أننا إنما نستدل بقوله «من كنت مولاه فعليّ مولاه» عقيب قوله «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» سواء أقال ذلك بمكة أم في غدير خم ، وسواء أقاله عقيب شكايتهم من الإمام عليّ أم لا ، فإنه دلّ على أن الإمام عليّا عليهالسلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، والإمامة والخلافة لا تزيد على ذلك كما مرّ.
هذه أهم الإشكالات التي أثارها خصماء ولاية الإمام عليّ والردود عليها ؛ وأما القرائن الكثيرة على إثبات صحة حديث الغدير الدال على إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام فإنها وافية ـ وبحمد الله ـ على إثبات الإمامة ، هذا مع وجود قرائن أخرى يمكن أن يتفطن إليها الباحث المنصف ، وقد اعترف ثلة من علماء العامة على عظمة العترة الطاهرة ، منهم ابن كثير في تاريخه ، قال :
«خطب النبيّ خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ وكان يوم الأحد بغدير خم شجرة هناك ، فبيّن فيها أشياء ، وذكر من فضل عليّ وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه .. (ثم استشهد بما قاله رسول الله منوّها بعترته الطاهرة): كأني دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، والله مولاي وأنا وليّ كل مؤمن ، ثم أخذ بيد عليّ فقال : من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ..» (١).
وذكر ابن كثير أيضا عن البراء بن عازب قال : أقبلنا مع رسول الله في حجة
__________________
(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٥ / ١٥٨ ـ ١٥٩.