«إن رسول الله كان من المهاجرين وكنا أنصاره ، وإنما يكون الإمام من المهاجرين ونحن أنصاره .. فانبسط وجه أبي بكر وجزّاه خيرا فقال : جزاكم الله خيرا من حي يا معشر الأنصار ، وثبت قائلكم ـ يعني زيدا ـ والله لو قلتم غير هذا ما صالحناكم (١).
فلم ينس له أبو بكر هذا الموقف الخطير فجعله رئيس لجنة جمع القرآن وتركوا سادة القرّاء أمثال عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل ، وإلا لم يكن اختيارهم لزيد عن جدارة خاصة به دون غيره من وجوه الصحابة.
وكان منهج زيد في جمع القرآن مقتصرا على تلقي السور والآيات من العسب واللخاف وصدور الرجال ، وكان أول عمل قام به : أن وجّه نداء عاما إلى ملأ الناس :
«من كان تلقى من رسول الله شيئا من القرآن فليأت به» ، فكان هو ولجنته والمشرف عليها عمر بن الخطّاب يقفون على باب المسجد يوميا ، والناس يأتونهم بآي القرآن وسوره كل حسب ما عنده من القرآن ، وكانوا لا يقبلون من أحد شيئا حتى يأتي بشاهدين يشهدان بصحة ما عنده من قرآن سوى خزيمة بن ثابت ، أتى بالآيتين آخر سورة براءة ، فقبلوهما منه من غير استشهاد لأن رسول الله اعتبر شهادته وحده بشهادتين (٢).
وهنا لعبت اللجنة دورها إلهام في ترتيب بعض الآيات كيفما شاءت لها مطامعها وأهواؤها.
قال الزرقاني : صحف أبي بكر كانت مرتبة الآيات دون السور (٣).
وهذه الصحف أودعت عند أبي بكر مدة حياته ثم صارت عند عمر ، وبعده
__________________
(١) تهذيب ابن عساكر ج ٥ / ٤٤٦.
(٢) التمهيد ج ١ / ٢٣٦ نقلا عن أسد الغابة ج ٢ / ١١٤.
(٣) مناهل العرفان ج ١ / ٢٥٤ والتمهيد ج ١ / ٢٣٧.