ثم قال لعبد الله بن زمعة بن الأسود : أخرجه إخراجا عنيفا فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتى جاء به باب المسجد ، فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه ، فقال : ابن مسعود : قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان.
قال الراوي : فكأني أنظر إلى حموشة ساقي عبد الله بن مسعود ورجلاه تختلفان على عنق مولى عثمان ، حتى أخرج من المسجد وهو يقول : أنشدك الله ألا تخرجني من مسجد خليلي رسول الله (١).
وما فعله ابن مسعود كان في محله ، إذ أين المسوّغ الشرعي لكي يسلّم مصحفه لمن لا يعتقد شرعية خلافته ، مضافا إلى هتكه للمصاحف بحرقها أو تمزيقها لذا كان يقول ـ أي ابن مسعود ـ «إن رجالا لم يؤذن لهم قد تصرفوا في القرآن من تلقاء أنفسهم» (٢).
وقال أبو ميسرة : أتاني رجل وأنا أصلي فقال : أراك تصلي وقد أمر بكتاب الله أن يمزق كل ممزق! فتجوزت في صلاتي وكنت أجلس ... فإذا أنا بالأشعري وحذيفة وابن مسعود يتقاولان ، وحذيفة يقول لابن مسعود : ادفع إليهم المصحف. قال : والله لا أدفعه إليهم ، اقرأني رسول الله بضعا وسبعين سورة ثم أدفعه إليهم ، والله لا أدفعه إليهم (٣).
وسبب الجمع عند عثمان هو اختلاف المصاحف باختلاف القراءات ، فقد روى أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة ، فأشار حذيفة على عثمان أن يدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن ارسلي إلينا بالصحف ننسخها في
__________________
(١) التمهيد ج ١ / ٢٥٠ نقلا عن شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٣ / ٤٣.
(٢) طبقات ابن سعد ج ٣ / ٢٧٠.
(٣) مستدرك الحاكم ج ٢ / ٢٢٨.