ومرجع آخر لتعيين الإمام ، هذا الطريق هو مرجعية الأمة بمعنى أن تعيين الإمام الخليفة راجع إلى الأمة الإسلامية ، وألغوا خصوصية النص الجلي ، مدعين أن النبي ارتحل من عالم الوجود ولم ينصّب على الأمة أحدا ينوب مكانه ، بل ترك أمر تعيينه إلى الأمة.
وقد اختلف العامة فيما بينهم في تحديد ماهية الأمة التي يراد لها أن تنتخب الإمام ، هل المراد منها كل أفراد الأمة ، أو جماعة معيّنون يصطلح عليهم بأهل المشورة أو أهل الحل والعقد؟
الأول باطل بالوجدان عندهم لأنه لم يعهد أنّ خليفة من الخلفاء كان قد انتخبه المسلمون جميعا في كل أقطار البلاد الإسلامية ، لذا عدّلوا به إلى المعنى الآخر وهو أن المراد من أفراد الأمة الذين يجب عليهم أن ينتخبوا هم أفراد معيّنون في كل بلد من بلدان المسلمين ، وهذا أيضا باطل لأنه تكليف بما لا يطاق ، إذ من أين للمسلمين أن يعرفوا الأفراد المعينين في كل بلد ـ وهم ما يصطلح عليهم بأهل الحل والعقد ـ ومن يعيّنهم؟ وما السبيل إلى انتخاب الذين يعيّنون أهل الحل والعقد؟ كل هذا خارج عن الوسع وهو الحرج المنفي بقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) ولا حرج ولا تعجيز أكثر من التعرّف على إجماع فضلاء كل بلدان المسلمين ، فبطل هذا القول الفاسد ، ولو كان ممكنا لما لزم لأنه دعوى بلا برهان ، إذ لو كان كذلك لما لزم أحد القيام بقسط ، ولا تعاون على بر وتقوى ، إذ لا سبيل إلى اجتماع أهل الأرض على ذلك أبدا لتباعد أقطارهم ، ولو كان هذا هو المطلوب ، لكان أمر الله بالقيام بالقسط وبالتعاون على البر والتقوى باطلا فارغا ، وهذا خروج عن الإسلام وتفريغا له من مضمونه ، فسقط القول المذكور. ولكنّ الرأي الراجح والثابت عندهم هو أن المراد بأهل الحل والعقد هم جماعة معدودون يتواجدون في بلد الإمام ، وقد أشار إلى هذا المعنى الماوردي في الأحكام السلطانية.
__________________
(١) سورة الحج : ٧٨.