بالحديد والنار واستباحوا الحرمات والمقدّسات ، ويكفي كشاهد ما فعله عبد الملك بن مروان حيث مات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، وأساء حكمهم سمعة الإسلام في نظر غير المسلمين ، واستمر الصراع على الخلافة والسلطة وأريقت الدماء واستبيحت الأعراض ، وطورد أهل البيت عليهمالسلام وحوصروا وفي نهاية المطاف كانت نهايتهم الشهادة على أيدي خلفاء الجور ولم ينج منهم سوى مولانا الإمام المهدي عليهالسلام حيث شاءت القدرة الإلهية أن يستمر هذا البيت الطاهر بعطائه يفيض على المستحقين ، فغاب عن قواعده المؤمنة سوى الخواص منهم يستفيدون منه ومن عطائه ، كما أنه لم ينقطع كليا عن قواعده المؤمنة به بل يراهم ويرونه ولكنّهم لا يعرفونه مع قضائه لحوائجهم وسماعه لصرخاتهم واستغاثتهم. ولو أنّ الأمة أطاعت أهل البيت عليهمالسلام لكانوا ـ أي أئمتنا عليهمالسلام ـ لها سفينة النجاة حقا ، ولما حدث ما حدث من مآس على طول التاريخ.
ثامنا : إن هذا الاختلاف الفاحش في كيفية عقد الإمامة ، يعرب عن بطلان نفس الأصل ، لأنه إذا كانت الإمامة مفوّضة إلى الأمة ، كان من الواجب على النبي بالضرورة بيان تفاصيلها وخصوصياتها وخطوطها العريضة ، وأنه هل تنعقد بواحد أو باثنين من الصحابة؟ وهل أن أهل الحل والعقد هم أنفسهم من يعيّنون الخليفة أو لا؟ (١).
تاسعا : كيف يتصوّر أن يترك النبيّ الكريم الحكيم أمته بلا تعيين خليفة وهو يعلم إن لم يفعل سوف تراق الدماء من أجلها ، وقد ورد عنه بالمستفيض «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة ناجية ، والباقون في النار» وأن أصحابه لن ينجو منهم إلّا مثل همل النعم ، فيرتدّ أكثرهم ويرجعون بعده كفارا ، فيقال له : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم» (٢).
__________________
(١) الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإمامية ج ٢ / ٤٩ ، ط / مركز العترة عام ١٤١٨ ه.
(٢) صحيح مسلم ج ١٥ / ٤٣ ، باب إثبات حوض النبي ، ط / دار الكتب العلمية ، والحديث متواتر مضمونا.