كيف يأمر أبا بكر بن أبي قحافة بالصلاة ثم ينتره بثوبه ليصلّي مكانه ، لو لا أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد أن لا تكون صلاة أبي بكر ممسكا عليه إلى آخر الدهر ، وإلا لو كان النبيّ راضيا عن أبي بكر لما كان قطعه عن الصلاة ، في حين أن العامة أنفسهم رووا على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه صلّى خلف عبد الرحمن بن عوف الزهري (١) ، فليكن أبو بكر ـ على أقل تقدير مساويا لعبد الرحمن ـ فلا يجذبه النبيّ بثوبه ليصلّي مكانه. وعلى فرض اقتداء النبيّ بعبد الرحمن أو بأبي بكر فلا يوجب ذلك فضلا على النبيّ ولا على غيره من المسلمين.
ولو كان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم راضيا عن صلاة أبي بكر لما خرج معصّبا رأسه (٢) متكئا على الفضل بن عبّاس وعلى يد رجل كريم تناست ذكر اسمه عائشة ، وقد روى مسلم بذلك أخبارا مستفيضة عن عائشة قالت : أول ما اشتكى رسول الله في بيت ميمونة ، فاستأذن أزواجه أن يمرّض في بيتها ، وأذن له ، قالت : فخرج ويد له على الفضل بن عبّاس ، ويد له على رجل آخر ، وهو يخطّ برجليه في الأرض ، فقال عبيد الله : فحدّثت به ابن عبّاس ، فقال : أتدري من الرجل الذي لم تسمّ عائشة؟ هو عليّ عليهالسلام (٣).
فخروج النبيّ بهذه الحالة (٤) لينحّي أبا بكر عن الصلاة ، له دلالاته الهامة ، وعلى أقل تقدير كان على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يتركه يؤمّ الصلاة ـ لو كان يحسن الظن به ـ حتى لا يسيء أحد من المسلمين به الظن وأنه غير جدير بإمامة صلاة ، فكيف بإمامة العباد والبلاد!!
هذا مضافا إلى أنهم لا يختلفون أنه عليه وآله الصلاة والسلام أمر عمرو بن
__________________
(١) لاحظ أسد الغابة في معرفة الصحابة ج ٣ / ٤٧٦ ، ط / دار الكتب العلمية.
(٢) سيرة ابن هشام ج ٤ / ٣٠٢.
(٣) صحيح مسلم ج ٤ / ١١٧ ح ٩١ وصحيح البخاري ج ١ / ٢٠٢ ح ٦٦٥.
(٤) وكما نقل البخاري في صحيحه ج ١ / ٢٠٢ ح ٦٦٤ أن النبي خرج يهادى بين رجلين ، ورجلاه يخطّان من الوجع فلاحظ.