على أن أمير المؤمنين عليهالسلام لم يقع منه ضلال بعد النبيّ ولا في طول زمان أبي بكر وأيام عمر وعثمان وصدرا من أيامه حتى خالفت الخوارج عند التحكيم وفارقت الأمة ، وبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالا.
وإن كان تأخره هدى وصوابا وتركه خطأ وضلالا فليس يجوز أن يعدل عن الصواب إلى الخطأ ولا عن الهدى إلى الضلال لا سيما والإجماع واقع على أنه لم يظهر منه ضلال في أيام الثلاثة الذين تقدّموا عليه ، ومحال أن يكون التأخر خطأ وتركه خطأ للإجماع على بطلان ذلك أيضا ولما يوجبه القياس من فساد هذا المقال.
وليس يصح أن يكون صوابا وتركه صوابا لأن الحق لا يكون في جهتين مختلفتين ولا على وصفين متضادين ، ولأن القوم المخالفين لنا في هذه المسألة مجمعون على أنه لم يكن إشكال في جواز الاختيار وصحة إمامة أبي بكر .... فثبت بما بيّناه أن أمير المؤمنين عليهالسلام لم يبايع أبا بكر على شيء من الوجوه كما ذكرناه وقدّمناه ..» (١).
وبالجملة : فإن أمير المؤمنين عليهالسلام لم يبايع أبا بكر ، وما ورد على فرض صحته «من أنهعليهالسلام مد يده من غير أن يفتح كفه فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك (٢) (أي أن الثاني صفق على يد أمير المؤمنين» فهو لا يدل على البيعة أصلا لا مختارا ولا مكرها ، لأن قبض اليد دلالة الإحجام والانقباض عن مصافحة المغتصبين.
وأما ما ورد من أنه قال : «لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين» فليس فيه أية إشارة إلى بيعة القوم ولو كرها ، وإنما كل ما في الأمر أنه سكت ولم يحاربهم بسيف لقلة الأعوان والأنصار.
__________________
(١) الفصول المختارة ص ٥٦ ، ط / المفيد ١٤١٤ ه.
(٢) كتاب السقيفة ص ٢٣٣ المعروف بكتاب سليم بن قيس الهلالي العامري المتوفي عام ٩٠ ه ، ط / دار الإرشاد الإسلامي ١٤١٤ ه.