وعيّنت حكمه ولا موضوعا إلّا وقدرت حدّه ؛ كيف وقد قال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (١).
وهذا الكتاب العزيز فيه : (آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢).
والراسخون في العلم هم المستمدّون من ينابيع الوحي ومطالع الأنوار الأزلية ؛ هم الذين لو ردّت إليهم الأمة ما اختلفت عليه من أمور دينها ودنياها لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
قال تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (٣). ولو أن الرسول لم يعرّف الأمة على من اختصّه الله تعالى بمعرفة التنزيل والتأويل والمحكم والمتشابه والمجمل والمبيّن والناسخ والمنسوخ ، ولم ينصّب للناس إماما وخليفة يقوم مقامه لكانت رسالته ناقصة والأبصار إلى كمال شريعته شاخصة.
ولو لم يعيّن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا الخليفة لخان الأمانة ، ولو ترك إلى الناس تعيينه لزادت المحنة وعظمت بالاختلاف البليّة ، ولو تركوا هلكوا.
والشريعة ما تركت شيئا إلّا وبيّنت حكمه حتى الدخول إلى المرحاض ؛ وقصّ الشّارب وأظافر الأقدام ؛ فكيف يسوغ للعقل القبول بأنّ الشريعة أهملت أمر الخليفة أو فوّضته إلى اختيار الضعفاء القاصرين ، ومن هنا ينفتح لك الطريق أنّ الإمام لا بدّ أن يكون معصوما ، ويتضح لك مغزى قوله عزّ اسمه :
__________________
(١) سورة الأنعام : ٣٨.
(٢) سورة آل عمران : ٧.
(٣) سورة النساء : ٨٣.