بدينه منهما ، وصدق عزوجل حيث قال : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١).
وأما المشقة البالغة التي تعدّ في العرف حرجا وضيقا وإن كان دون الطاقة ، فقد نفاه الله تعالى بقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٢).
وعن مولانا الإمام أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا شرائع نوح .. والفطرة الحنيفية السمحة» (٣) ولا بدّ لكل عاقل أن يسأل ؛ كيف فهم عمر بن الخطاب من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي» أنه أراد أن يكتب لهم ما يعجزون عن القيام به؟! وأي ملازمة بين هذا الاعتذار وبين قوله «أنه قد غلبه الوجع» أو أنه ليهجر؟!! وهل يجوّز عاقل أن ينطق بمثل هذا الكلام في مقام تصويب رأي من وصفه الله سبحانه بالخلق العظيم ، وبعثه رحمة للعالمين؟!
وأما ما ذكره من أن عمر علم أنه تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة لقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فيرد عليه أيضا :
أنه لو كان المراد بكمال الدين ما فهمه عمر للزم استغناء الناس عن الرسول ، وعدم احتياجهم إليه بعد نزول الآية في حكم من الأحكام ، ومفاد الآية تماما كوصيته (عليه وآله أفضل التحية والسلام) بالتمسك بالكتاب والعترة ، حيث لا دلالة فيه على أنه لم يبق أمر مهم للأمة أصلا حتى تكون الكتابة التي أرادها النبيّ لغوا وعبثا ، ويصح منعه عنها ، وقد كان المراد من الكتابة تأكيد الأمر باتّباع الكتاب والعترة الطاهرة الحافظة له ، والعالمة بما فيه على وجهه ، خوفا من ترك الأمة الاعتصام بهما ، فيتورّطون في أودية الهلاك ، ويضلوا كما فعل كثير منهم وضلوا عن سواء السبيل.
__________________
(١) سورة الحجرات : ١٦.
(٢) سورة البقرة : ١٨٥.
(٣) أصول الكافي ج ٢ / ١٧ ح ١.