على مقتضى غريزته وخشونة طبعه وجبلّته ، ولم يكن يقصد بها ظواهرها ، ففيه اعتراف بأنه كان لا يملك لسانه يتكلم بما يحكم به عقله ، وظاهر أن رجلا لم يقدر على ضبط لسانه في مخاطبة مثل النبيّ مع علو شأنه في الدنيا والآخرة معدود عند العقلاء في المجانين ، ومثله لا يصلح للرئاسة العامة ، وخلافة من اصطفاه الله على العالمين.
ومن رضي بإمامة من يكره حكاية ألفاظه كما مرّ من كلام الموجّه «ابن أبي الحديد وأمثاله» فقد بلغ الغاية في السفاهة ، وفاز بالقدح المعلّى من الحماقة.
رابعا : إن ما ذكره ابن أبي الحديد من أن الأحسن كان أن يقول : مغمور أو مغلوب بالمرض ، فهو هذيان كقول إمامه ، إذ الكلام في أنّه لا يجوز الردّ على الرسول ، وإنكار قوله مطلقا سواء كان في حال المرض أو غيره ، للآيات والأخبار الدالة على وجوب الانقياد لأوامره ونواهيه ، وأنه لا ينطق عن الهوى ولا يقول إلا حقا ، والهجر وغلبة المرض ، وإن كان أمرا شائعا في أكثر البشر إلّا أنه لا استبعاد في براءة من اصطفاه الله على العالمين عنه ، كما أن غلبة النوم يعم سائر الخلق ، وقد روى الخاص والعام أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان لا ينام قلبه إذا نامت عيناه (١).
ومن الغرائب عند العامة ، أنهم يستدلون على خلافة عمر بن الخطّاب بما نص عليه أبو بكر في مرضه وأثبته في وصية ، وكان الكاتب له عثمان بن عفّان ، ولم يجوّز أحد فيه أن يكون هجرا وناشئا من غلبة المرض ، مع أنه أغمي عليه أثناء كتابة العهد كما رواه ابن أبي الحديد في كيفية عقده الخلافة لعمر ، من أنه كان يجود بنفسه فأمر عثمان أن يكتب عهدا وقال : «هذا ما عهد به عبد الله بن عثمان (٢) إلى المسلمين ، أما بعد ، ثم أغمي عليه ، وكتب عثمان : قد استخلفت عليكم عمر بن الخطّاب ، وأفاق أبو بكر ، فقال : اقرأ فقرأه ، فكبّر أبو بكر وسرّ ، وقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن متّ في غشيتي؟!
__________________
(١) صحيح البخاري ج ٤ / ٥٢٩ ح ٣٥٦٩ و ٣٥٧٠ وبحار الأنوار ج ١٦ / ١٣٢ ح ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ و ١١.
(٢) عثمان اسم أبي قحافة.