ولا يخفى على ذي بصيرة أن ما ظهر من رسول الله من الغضب والغيظ عليه في الحديبية وفي مرضه صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث أمره بالخروج من البيت مع المتنازعين لم يظهر بالنسبة إلى أحد من الصحابة ، وكذلك ما ظهر عنه من سوء الأدب كان فيه مميّزا عن غيره من الصحابة.
وظهور الغيظ من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مع خلقه العظيم وعفوه الكريم وخوفه في الفظاظة والغلظة من انفضاضهم كما قال سبحانه (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (١) لم يكن إلّا لشدة تفاحشه في ترك الأدب والوقاحة وبلوغ تأذي رسول الله إلى الغاية وقد قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢).
(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٣).
وقد كان رسول الله يصبر على كثير من الأذى ويستحي من زجرهم حتى نزل في ذلك قرآن بقوله تعالى (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) (٤).
فإذا كان دخولهم إلى بيوت النبيّ من غير إذن يؤذي النبيّ ، فإن الاعتراض عليه والتشكيك به يؤذيه بطريق أولى.
وقد أخفى اتباع عمر بن الخطاب وحزبه كثيرا من كلماته الشنيعة ، وما قال فيه رسول الله كما يظهر من قول ابن أبي الحديد في ألفاظ نكرة حكايتها حتى شكاه النبيّ إلى أبي بكر (٥).
ثالثا : إن ما اعتذر به ابن أبي الحديد من أن عمر كان يرسل تلك الألفاظ
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٥٩.
(٢) سورة التوبة : ٦١.
(٣) سورة الأحزاب : ٥٧.
(٤) سورة الأحزاب : ٥٣.
(٥) شرح النهج ج ١ / ١٤٢