قبره ، فلم يجبه ، فلما كان قبل أن ينتهوا به إلى القبر أعاد عمر ما قاله أولا ، فقال النبيّ لعمر عند ذلك ما رأيتنا صلينا له على جنازة ولا قمنا على قبر ، ثم قال : إن ابنه رجل من المؤمنين وكان يحق علينا أداء حقه ، فقال عمر : أعوذ بالله من سخط الله وسخطك يا رسول الله (١).
وروى القمي مثله مع زيادة :
إن عبد الله طلب من النبيّ أن يستغفر لأبيه فاستغفر له النبيّ ، فاعترض عليه عمر فقال له النبيّ : إني خيّرت فاخترت أن الله يقول : «استغفر لهم أو لا تستغفر لهم» إلى آخر قوله فبدا من النبيّ ما لم يكن يحب (٢).
قال المولى الفيض الكاشاني :
كان رسول الله حييّا كريما كما قال الله عزوجل (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) فكان يكره أن يفتضح رجل من أصحابه ممن يظهر الإيمان وكان يدعو على المنافقين ويورّي أنه يدعو لهم ، وهذا معنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعمر ما رأيتنا صلّينا له على جنازة ولا قمنا على قبر ، وكذا معنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث القمي «خيرت فاخترت» فورّى صلىاللهعليهوآلهوسلم باختيار الاستغفار ، وأما قوله فاستغفر له فلعلّه استغفر لابنه لما سأل لأبيه الاستغفار وكان يعلم أنه من أصحاب الجحيم ، ويدل على ما قلناه قوله عليهالسلام فبدا من رسول الله ما لم يكن يحب هذا (٣).
أقول : إنّ بعض الخطابات القرآنية المتشابهة يكون موجها لرسول الله لكن يقصد منها غيره ، ومنها هاتان الآيتان المباركتان (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ...).
فما خوطب به النبيّ لا يراد منه شخصه الكريم وإنما أمته ، وذلك لكونه
__________________
(١) تفسير الصافي ج ٢ / ٣٦٤ نقلا عن تفسير العياشي أبي النصر محمّد بن مسعود.
(٢) تفسير القمي ج ١ / ٣٣٠.
(٣) تفسير الصافي ج ٢ / ٣٦٥.