يرد على اعتذاره في تحريم المتعة من أن عهده يختلف عن عهد رسول الله من حيث ضرورة المتعة فيه دون غيره ، بأن جلّ الروايات التي صرّحت بوقوعها في عصر رسول الله وبإذن منه ذكرت أنها كانت في الغزوات وحال السفر ، بل صريح بعضها (١) ـ وهو يفوق حد الاستفاضة ـ عدم دخالة السفر في جوازها بل الحاجة والضرورة ، ولا فرق في ذلك بين عهد رسول الله وعهد أبي بكر وعمر إلى زماننا الحاضر وإلى أبد الدهر.
فإن الإنسان لم يزل منذ أن وجد على ظهر هذا الكوكب ولا يزال بحاجة إلى السفر والاغتراب عن أهله أسابيع وشهورا ، بل وسنين طويلة أحيانا ، فإذا سافر الرجل ما ذا يصنع بغريزة الجنس في نفسه؟ هل يتركها عند أهله حتى إذا عاد إليهم عادت غريزته ليصرفها مع زوجه؟
أم أنها معه لا تفارقه في السفر والحضر؟ وإذا كانت غريزته غير مفارقة له فهل يستطيع أن يتنكر لها في السفر ويستعصم؟
وإذا كان الشاذ النادر في البشر يستطيع أن يستعصم فهل الجميع يستطيعون ذلك أم أن الغالب منهم تقهره غريزته؟
وهذا الصنف الكثير من البشر إذا طغت عليه غريزته في المجتمع الذي يمنعه من التصرف في غريزته ويطلب منه أن يخالف فطرته وما تقتضيه طبيعته ما ذا يفعل عند ذاك؟ وهل له سبيل غير أن يخون ذلك المجتمع؟!
والإسلام الذي وضع حلا مناسبا لكل مشكلة من مشاكل الإنسان هل ترك هذه المشكلة بلا حل؟! لا ، بل شرّع لحل هذه المشكلة : الزواج المؤقت ولو لا نهي عمر عنها ما زنى إلا شقي (أو شفى (٢)) على حد تعبير مولى المؤمنين عليّ بن
__________________
(١) لاحظ صحيح مسلم ج ٩ / ١٥٦ ـ ١٥٧ ح ١٤ ـ ١٥ ـ ١٦ ـ ١٧.
(٢) في بعض الروايات ، والمراد من «شفى» القليل من الناس.