يرد عليه :
إن فقدان الحبيب لا يستلزم فقدان السكينة والهذيان بكلمات يتنزه عنها أبسط الزّهاد فكيف برجل كعمر ظن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بحسب زعمهم ـ أن السكينة نزلت عليه لما احتبس الوحي عنه ، وأنّه فاروق هذه الأمة يفرق بن الحق والباطل ، بل كان من اللازم أن يذهب عقله بالكلية لشدة محبته للنبيّ ، وهل كان الوحيد من بين الصحابة متيّما بعشق النبيّ حتى سلبه العشق الاتزان بالكلام؟ فأين أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام وأين الزهراء سيدة النساء وأهل بيتهما الأطهار وبقية الصحابة الأجلّاء أمثال عمّار وجابر وسلمان؟!
بل إن من الضروريات العادية أن من عظمت عليه المصيبة ، وجلّت الرّزية بفقد حبيبه حتى اشتبهت عليه الأمور الضرورية أن لا يترك تجهيز النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ، ولا يسرع إلى سقيفة بني ساعدة لعقد البيعة وتهديد كل من لم يبايع أبا بكر ، والسؤال : لم لم يتكلم عمر في ذلك المجلس من شدة الحزن والوجد ما ينافي غرضه ، ولا يلائم تدبيره المشئوم ، ولم يأت في أمر الرئاسة وغصب الخلافة بهجر وهذيان ، ولم يتخلل من الزمان ما يسع لاندمال الجرح ونسيان المصيبة ، وكيف لم يأذن قلبه في الحكم بموته صلىاللهعليهوآلهوسلم مع أنه لم يضق صدره بأن يقول في وجهه الكريم : إنه ليهجر ويمنعه من إحضار ما طلب ويقول : حسبنا كتاب الله ، الذي هو في قوة قوله: لا حاجة لنا بعد موتك إلى كتاب تكتبه لنا.
ومن بلغ به الحبّ إلى حيث يخرجه من حدّ العقل لا يجبه حبيبه بمثل هذا القول الشنيع ولا يرفع صوته في الردّ عليه ومنازعة المنازعين إلى حد يخرجه الحبيب رسول الله وإياهم من البيت ، ويقول : اغربوا عني ، ولا ينبغي التنازع عندي ، ولا ينكر ذلك إلا متعنّت لم يشم رائحة الإنصاف ، وما ذكر من جنون بعض الصحابة وإغماء بعضهم وخبل الآخرين شيء لم أسمعه إلى الآن ، نعم لو عدّ ما أتوا به من ترك جسده المطهّر والمسارعة إلى السقيفة طمعا في الرئاسة وشوقا إلى الإمارة من فنون الجنون ، وضروب الخبل ، لكان له وجه.