التجسس ، فيجوز فيه الاجتهاد ، ألا يرى أن رسول الله أمر بكسر القدور التي طبخت فيها لحوم الحمير الأهلية مع أن الكسر إتلاف مال الغير وهو حرام للنص والإجماع ومع ذلك أمر به لأن إزالة المنكر كانت تدعو إلى ذلك ، فإزالة المنكر إذا دعت إلى أمر لا يتيسر الإزالة إلا به يجوز للمحتسب الإقدام عليه ، كما يجوز للمحتسب أن يكسر الدنان التي فيها الخمر إذا تيسر الإهراق بدون الكسر ، ويجوز أن عمر اجتهد فدخل الدار وتجسس ثم لما ذكّروه بالقرآن تغيّر اجتهاده فتركهم وخرج ، وأمثال هذه الأمور لا يبعد عن أئمة العدل.
والجواب :
أولا : لا تزاحم بين وجوب النهي عن المنكر ودليل حرمة التجسس لتباين موضوعيهما فلا وجه لدعوى خروج التجسس لإزالة المنكر عن حكم مطلق التجسس ، ولو سلمت المزاحمة فالمقتضى لحرمة التجسس أهم وأقوى من مقتضى وجوب النهي عن المنكر ، فيلزم القول بحرمة التجسس تقديما لها على وجوب النهي عن المنكر المحتمل ، ويدل عليه الأحاديث الناهية عن الفضيحة وطلب الستر. مضافا إلى أن إزالة المنكر بالتسوّر على الحيطان يستلزم هتك الخليفة واتهامه بالتجسّس على عورات النساء ، علاوة على هتك الأعراض الذي قامت الأدلة القطعية على حرمته.
وليت شعري إذا لم يرخّص الله سبحانه ولا رسوله بذلك ، فما بال عمر يتجسس ويهتك ستر الله ، وكيف صار التجسس عند الخصم راجحا لإزالة المنكر وقد أمر الله ورسوله بالستر وعدم الفضيحة؟!
ثانيا : لا يصح قياس ما نحن فيه على كسر الدنان إذا توقف إهراق الخمر عليه ، فإن التكليف بإتلاف الخمر معلوم فتجب مقدمته وهي كسر الدنان ، بخلاف التكليف بالنهي عن المنكر المحتمل فإنه غير معلوم بل محكوم بالعدم فكيف يجب التجسس مقدمة لإزالته على أن إتلاف الخمر أهم في نظر الشارع المقدّس من