«على أنّ هذه الشورى قد أنشأت بين رجالها الستّة من التنافس والفتن ما قد فرّق جماعة المسلمين ، وشق عصاهم ، إذ رأى كلّ من رجالها نفسه كفوءا للخلافة ، ورأى أنه نظير الآخرين منها ، ولم يكونوا قبل الشورى على هذا الرأي ، بل كان عبد الرحمن تبعا لعثمان ، وسعد كان تبعا لعبد الرحمن ، والزبير إنما كان من شيعة عليّ ، والقائمين بنصرته يوم السقيفة على ساق ، وهو الذي استل سيفه ذودا عن حياض أمير المؤمنين وكان فيمن شيّع جنازة الزهراء عليهاالسلام وحضر الصلاة عليها إذ دفنت سرا في ظلام الليل بوصية منها ، وهو القائل على عهد عمر : «والله لو مات عمر بايعت عليا» ، لكنّ الشورى سوّلت له الطمع بالخلافة ، ففارق عليا مع المفارقين ، وخرج عليه يوم الجمل الأصغر ويوم الجمل الأكبر مع الخارجين ، كما أن عبد الرحمن بن عوف ندم على ما فعله من إيثار عثمان على نفسه بالخلافة ، ففارقه وعمل على خلعه فلم يأل جهدا ، ولم يدّخر وسعا في ذلك لكنّه لم يفلح ، وقد علم الناس ما كان من طلحة والزبير من التأليب على عثمان وانضمام عائشة في ذلك إليهما نصرة لطلحة ، وأملا منها برجوع الخلافة إلى تيم وكانت تقول : اقتلوا نعثلا فقد كفر.
وقد عمل هؤلاء وأولياؤهم من الإبكار على عثمان ، ما أهاب بأهل المدينة وأهل الأمصار إلى خلعه وقتله ، فلما قتل وبايع الناس عليّا كان طلحة والزبير أول من بايع ، لكن مكانتهما في الشورى أطمعتهما بالخلافة ، وحملتهما على نكث البيعة ، والخروج على الإمام ، فخرجا عليه ، وخرجت معهما عائشة طمعا باستخلاف طلحة ، وكان ما كان في البصرة وصفين والنهروان من الفتن الطاغية ، والحروب الطاحنة ، وكلّها من آثار الشورى ، حيث صورت أندادا لعليّ ينافسونه في حقه ويحاربونه عليه ، بل نبهت معاوية إلى هذا وأطمعته بالخلافة ، فكان معاوية وكلّ واحد من أصحاب الشورى عقبة كئودا في سبيل ما يبتغيه الإمام من إصلاح الخلائق ، وإظهار الحقائق.
على أنّ الشورى أغرت الأمة بعثمان وبذرت بذورا أجذرت بعد قتله ،