اللهم إلّا أن يقال لمّا كانت المدينة يومئذ مستقر سلطة عمر كان القاطنون بها أقرب إلى الضلال ممن نشأ في مغرس الفتنة ، وقد حمل أصحابنا من العامة على ما يناسب هذا المقام ما روي في فضائل عمر : ما لقيك الشيطان سالكا فجّا إلّا سلك فجا غير فجّك ، وكأنه المصداق لما قيل :
وكنت امرأ من جند إبليس فارتقت |
|
بي الحال حتى صار إبليس من جندي |
وهذه البدعة من فروع بدعة أخرى له ، عدّوها من فضائله ، قالوا : هو أول من عسّ في عمله بنفسه ، وهي مخالفة للنهي الصريح في قوله تعالى (وَلا تَجَسَّسُوا) (١).
وروى عبد الله بن بريدة أن عمر خرج ليلا يعسّ ، فإذا نسوة يتحدّثن ، وإذا هنّ يقلن : أي فتيان المدينة أصبح؟ فقالت امرأة منهنّ : أبو ذؤيب والله. فلما أصبح عمر سأل عنه ، فإذا هو من بني سليم ، وإذا هو ابن عمّ نصر بن حجاج ، فأرسل إليه ، فحضر ، فإذا هو أجمل الناس وأملحهم ، فلمّا نظر إليه ، قال : أنت والله ذئبها! يكرّرها ويردّدها ، لا والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أبدا.
فقال : يا أمير المؤمنين إن كنت لا بدّ مسيّري فسيّرني حيث سيّرت ابن عمي نصر بن حجاج ، فأمر بتسييره إلى البصرة ، فأشخص إليها.
أقول : يظهر أن الحسد في أعماق عمر جعله يعيش العقدة النفسية من أصحاب الوجوه الحسان ، فلا يمكنه مساكنتهم وهذا دأب الحسود.
ذكر المبرّد محمد بن يزيد الثمالي ، قال : كان عمر أصلع ، فلما حلق وفرة نصر بن حجّاج ، قال نصر وكان شاعرا :
تضنّ ابن خطّاب عليّ بجمّة |
|
إذا رجّلت تهتزّ هزّ السّلاسل |
فصلّع رأسا لم يصلّعه ربّه |
|
يرفّ رفيفا بعد أسود جائل |
__________________
(١) سورة الحجرات : ١٢.