إني بليت أبا حفص بغيرهما |
|
شرب الحليب وطرف فاتر ساج |
لا تجعل الظنّ حقّا أو تبيّنه |
|
إن السبيل سبيل الخائف الراجي |
ما منية قلتها عرضا بضائرة |
|
والناس من هالك قدما ومن ناج |
إن الهوى رعية التقوى تقيّده |
|
حتى أقرّ بإلجام وإسراج |
فبكى عمر وقال ؛ الحمد لله الذي قيّد الهوى بالتقوى.
وأتته يوما أم نصر حين اشتدت عليها غيبة ابنها ، فتعرضت لعمر بين الأذان والإقامة ، فقعدت له على الطريق ، فلما خرج يريد الصلاة هتفت به وقالت : يا أمير المؤمنين لأجاثينّك (١) غدا بين يدي الله عزوجل ، ولأخاصمنّك إليه ، يبيت عاصم وعبد الله إلى جانبيك وبيني وبين ابني الفيافي والقفار والمفاوز والأميال! قال : من هذه؟ قيل : أم نصر بن الحجّاج.
فقال لها : يا أم نصر إن عاصما وعبد الله لم يهتف بهما العواتق من وراء الخدور (٢). ووجه البدعة فيه ظاهر ، فإن إخراج نصر من المدينة وتغريبه ونفيه عن وطنه بمجرد أن امرأة غنت بما يدل على هواها فيه ، ورغبتها إليه ، مخالف لضرورة الدين لقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)(٣).
ولا ريب أن التغريب تعذيب عنيف ، وعقوبة عظيمة ولم يجعل الله تعالى في دين من الأديان حسن الوجه ولا قبحه منشأ العذاب لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وقد كان يمكنه دفع ما زعمه مفسدة من افتتان النساء به بأمر أخف من التغريب وإن كان بدعة أيضا ، وهو أن يأمره بالحجاب ، وستر وجهه عن النساء أو مطلقا حتى لا يفتتن به أحد. ثم ليت شعري ما الفائدة في تيسير نصر إلى البصرة؟! فهل كانت نساء البصرة أعفّ وأتقى من نساء المدينة؟ مع أنها مهبط إبليس ومغرس الفتنة ،
__________________
(١) أي لأجثو على ركبتيّ للخصومة.
(٢) شرح النهج ج ١٢ / ٢١٢ ـ ٢١٣.
(٣) سورة الفاطر : ١٨.