وتفصيل القول في ذلك أنّه ليس يخلو موضع قبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من أن يكون باقيا على ملكه أو يكون انتقل في حياته إلى عائشة كما ادّعاه بعضهم ، فإن كان الأول لم يخل من أن يكون ميراثا بعده أو صدقة فإن كان ميراثا فما كان يحلّ لأبي بكر وعمر من بعد أن يأمرا بدفنهما فيه إلا بعد إرضاء الورثة ولم نجد أحدا خاطب أحدا من الورثة على ابتياع هذا المكان ولا اشتراه منه بثمن ولا غيره ، وإن كان صدقة فقد كان يجب أن يرضى عنه جماعة المسلمين وابتياعه منهم إن جاز الابتياع لما يجري هذا المجرى ، وإن كان انتقل في حياته فقد كان يجب أن يظهر سبب انتقاله والحجّة فيه ، فلم يقتنع عمر من الصدّيقة فاطمة عليهاالسلام في انتقال فدك إلى ملكها بقولها ولا شهادة من شهد لها.
وأما استدلال بعضهم بإضافة البيوت إليهنّ في قوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) (١) فمن ضعيف الشبهة إذ هي لا تقتضي الملك ، وإنما تقتضي السكنى ، والعادة في استعمال هذا اللفظ فيما ذكرناه ظاهرة ، قال الله تعالى : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) (٢) ، ولم يرد تعالى إلّا حيث يسكن وينزلن ، دون حيث يملكن بلا شبهة ، وأيضا قوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) (٣) متأخر في الترتيب عن قوله : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) ، فلو كان هذا دالا على ملكية الزوجات لكن ذلك دالا على كونها ملكه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والجمع بين الآيتين بالانتقال لا يجديهم لتأخر النهي عن الدخول من غير إذن عن الآية الأخرى في الترتيب ، والترتيب حجّة عند كلهم أو جلّهم ، مع أنه ظاهر أن البيوت كانت في يدهصلىاللهعليهوآلهوسلم يتصرّف فيها كيف يشاء ، واختصاص كل من الزوجات بحجرة لا يدلّ على كونها ملكا لها.
وأما اعتذارهم بأنّ عمر استأذن عائشة في ذلك ، حيث روى البخاري عن
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣.
(٢) سورة الطلاق : ١.
(٣) سورة الأحزاب : ٥٣.