فقال سعد بن أبي وقّاص : وأنا قد وهبت حقّي من الشورى لابن عمي عبد الرحمن وذلك لأنهما من بني زهرة ، ولعلم سعد أن الأمر لا يتم له ، فلما لم يبق إلا الثلاثة ، قال عبد الرحمن لعليّ وعثمان : أيكما يخرج نفسه من الخلافة ، ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين؟ فلم يتكلم منهما أحد ، فقال عبد الرحمن : اشهدكم أنني قد أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدهما ، فأمسكا. فبدأ بالإمام عليّ عليهالسلام ، وقال له : أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله ، وسيرة الشيخين : أبي بكر وعمر ، فقال : بل على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي ، فعدل عنه إلى عثمان ، فعرض ذلك عليه ، فقال : نعم ، فعاد إلى عليّ عليهالسلام ، فأعاد قوله ، فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثا ، فلما رأى أن عليّا غير راجع عمّا قاله ، وأنّ عثمان ينعم له بالإجابة ، صفق على يد عثمان ، وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فيقال : إن عليّا عليهالسلام قال له : والله ما فعلتها إلّا لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ، دق الله بينكما عطر منشم (١).
قيل : ففسد بعد ذلك بين عثمان وعبد الرحمن ، فلم يكلّم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن.
هذه الشورى السداسية التي أمر بها عمر بن الخطاب وهو يعلم يقينا أن القوم سينصرفون فيها إلى عثمان دون الإمام علي عليهالسلام بتخطيط من مبتكرها عمر ، وقد تم ذلك ، وأبعد الإمام عليّ عليهالسلام عنها إلى أن آل الأمر إلى مقتل عثمان ، فبايع المسلمون الإمام عليا عليهالسلام لأن لا سبيل لهم إلى ذلك سواه.
__________________
(١) شرح النهج ج ١ / ١٤٥ ـ ١٤٦ وقريب منه ما رواه الطبري في تاريخه ج ٣ / ٢٩٣ ، ومعنى «عطر منشم» مثال يضرب على كل خصمين ، ومنشم اسم امرأة عطّارة كانت تبيع الطيب لخزاعة وجرهم ، كانت بعض القبائل إذا تعطرت بعطرها تكثر القتلى في الأعداء ، فلذا يقولون : أشأم من عطر منشم.