قال ابن أبي الحديد :
إن عمر دعا أبا طلحة الأنصاري وقال له : انظر يا أبا طلحة ، إذا عدتم من حفرتي ، فكن في خمسين رجلا من الأنصار حاملي سيوفكم ، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله ، واجمعهم في بيت ، وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحدا منهم ، فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه ، وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما ، وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة ، فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن ، فارجع إلى ما قد اتفقت عليه ، فإن أصرّت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقهم ، وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستة ، ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم.
فلما دفن عمر ، جمعهم أبو طلحة ، ووقف على باب البيت بالسيف في خمسين من الأنصار ، حاملي سيوفهم ، ثم تكلّم القوم وتنازعوا ، فأول ما عمل طلحة أنه أشهدهم على نفسه أنه قد وهب حقه من الشورى لعثمان ، وذلك لعلمه أن الناس لا يعدلون به عليا وعثمان ، وأن الخلافة لا تخلص له وهذان موجودان ، فأراد تقوية أمر عثمان وإضعاف جانب علي عليهالسلام بهبة أمر لا انتفاع له به ، ولا تمكّن له منه.
فقال الزبير في معارضته : وأنا أشهدكم على نفسي أني قد وهبت حقي من الشورى لعليّ ، وإنما فعل ذلك لأنه لما رأى عليّا قد ضعف وانخذل بهبة طلحة حقّه لعثمان ، دخلته حميّة النسب ، لأنه ابن عمة أمير المؤمنين عليهالسلام وهي صفية بنت عبد المطلب ، وأبو طالب خاله ، وإنما مال طلحة إلى عثمان لانحرافه عن الإمام عليّ عليهالسلام باعتبار أنه تيمي ، وابن عم أبي بكر ، وقد كان حصل في نفوس بني هاشم من بني تيم حنق شديد لأجل الخلافة ، وكذلك صار في صدور تيم على بني هاشم ، وهذا أمر مركوز في طبيعة البشر ، وخصوصا طينة العرب وطباعها ، والتجربة إلى الآن تحقق ذلك ، فبقي من الستة أربعة.