هذا مع التأكيد على أنّ وصف كل واحد من القوم بوصف قبيح يمنع من الإمامة ، ثم جعلها في جملتهم حتى كأن تلك الأوصاف تزول في حال الاجتماع ، مع أن الذي ذكره عمر كان مانعا من الإمامة في كل واحد على الانفراد ، كذا هو مانع مع الاجتماع ، مع أنه وصف الإمام عليا عليهالسلام بوصف لا يليق به ، ولا ادّعاه عدو قط عليه ، وهو معروف بضده من الركانة والبعد عن المزاج والفكاهة ، وهذا معلوم ضرورة لمن سمع أخباره عليهالسلام وكيف يظن به ذلك وقد روي عن ابن عبّاس أنه قال : كان أمير المؤمنين عليهالسلام إذا أطرق هبنا أن نبتدؤه بالكلام ، وهذا لا يكون إلّا من الوقار ، وما يخالف الدعابة والفكاهة (١).
وبالجملة فإنّ رجحان الأمر كان لصالح عثمان ويشهد له ما قاله أمير المؤمنين في خطبته المباركة المعروفة ب «الشقشقية» :
«حتى إذا مضى لسبيله ، جعلها في جماعة زعم أني أحدهم ، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر! لكنّي أسففت (٢) إذ أسفّوا ، وطرت إذ طاروا فصغا رجل منهم لضغنه (٣) ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن».
فالذي صغى لضغنه هو سعد (٤) ، والذي مال لصهره هو عبد الرحمن مال إلى عثمان ، لأن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت تحته ، وأم كلثوم هذه هي أخت عثمان من أمه أروى بنت كريز (٥).
__________________
(١) الشافي ج ٤ / ٢٠٤.
(٢) أي دخلت في الأمر الدنيء احتجاجا عليهم.
(٣) الضغن : الحقد. وانظر الخطبة الشقشقية في نهج البلاغة خطبة ٣ ج ١ / ٤٨ شرح صبحي الصالح.
(٤) قال القطب الراوندي : إن المصغي لضغنه هو سعد بن أبي وقاص ، ووافقه ابن أبي الحديد وذلك لأن أم سعد هي حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس ، والضغينة التي عنده على الإمام علي عليهالسلام من قبل أخوال سعد الذين قتل صناديدهم ، ولم يعرف أن الإمام عليهالسلام قتل أحدا من بني زهرة لينسب الضغن إليه ، شرح النهج ج ١ / ١٤٧.
(٥) شرح النهج ج ١ / ١٤٧.