«إن درّة عمر أهيب من سيف الحجّاج ، بل هو أول من حمل الدرّة وأدّب بها» (١).
ويروى أن عمر أمر بقطع الشجرة التي بويع رسول الله تحتها بيعة الرضوان في عمرة الحديبية ، لأن المسلمين بعد وفاة رسول الله كانوا يأتونها ، فيقيلون تحتها ، فلما تكرّر ذلك أوعدهم عمر فيها ، ثم أمر بها فقطعت (٢).
يظهر أن ابن تيمية الذي حرّم التبرك بقبور الأولياء ، وآثارهم وحرّم البكاء على الأموات كان ذلك تبعا وتقليدا لسيّده عمر ، ويشهد لهذا ما ذكرناه آنفا ، ولموقفه من تقبيل الحجر الأسود حيث دنا منه وقال : إني لأعلم إنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أني رأيت رسول الله قبّلك واستلمك ، لمّا قبّلتك ولا استلمتك ، فقال له أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام : بلى إنه ليضر وينفع ، ولو علمت تأويل ذلك من كتاب الله لعلمت أنّ الذي أقول لك كما أقول ، قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٣).
فلما أشهدهم وأقروا له أنه الرب عزوجل ، وأنهم العبيد ، كتب ميثاقهم في رق ، ثم ألقمه هذا الحجر ، وأن له لعينين ولسانا وشفتين ، تشهد من وافاه بالموافاة ، فهو أمين الله عزوجل في هذا المكان ، فقال عمر : لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن (٤).
وأتى رجل من المسلمين إلى عمر ، فقال : إنّا لما فتحنا المدائن أصبنا كتابا فيه علم من علوم الفرس ، وكلام معجب ، فدعا بالدرّة فجعل يضربه بها ، ثم قرأ (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) (٥) ويقول : ويلك! أقصص أحسن من كتاب الله!
__________________
(١) شرح النهج ج ١٢ / ٢٤٢.
(٢) شرح النهج ج ١٢ / ٢٦٠.
(٣) سورة الأعراف : ١٧٢.
(٤) شرح النهج ج ١٢ / ٢٦٠.
(٥) سورة يوسف : ٣.