وقال الطبري : هجرته ؛ أي لأبي بكر ـ فاطمة عليهاالسلام فلم تكلّمه في ذلك حتى ماتت فدفنها الإمام عليّ ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر (١).
وأما إصرار العامة على أن الأمير عليهالسلام بايع ، فالحق يقال : أن البيعة لا أساس لها من الصحة عندي لا اختيارا ولا اضطرارا ، فكيف يبايع وقد قادوه كما يقاد الجمل المخشوش (٢) على حدّ تعبير معاوية بن أبي سفيان عند ما بعث للأمير عليهالسلام برسالة يعيّره فيها ويؤنبه بالقول : «إنك كنت تقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى تبايع».
فردّ عليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام :
«وقلت : إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع ، ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت ، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكّا في دينه ، ولا مرتابا بيقينه ، وهذه حجّتي إلى غيرك قصدها ، ولكني أطلقت منها بقدر ما سنح من ذكرها» (٣).
وهل يعدّ القود قسرا بيعة؟ وكيف تنسب إليه البيعة ، وهو يحكي عن نفسه المقدّسة أنه مظلوم باقتيادهم له كما يقاد الجمل المخشوش (٤) إذن فلا الإمام أمير المؤمنين بايع ، ولا السيّدة الصدّيقة الطاهرة رضيت عنهما!
وكيف ترضى عمّن ظلمها حقها واعتدى عليها وأصرّ بعناده على غصب حقها وحق زوجها؟! مع أنّ أبا بكر نفسه اعترف على فراش الموت بأنه ودّ لو أنه لم يكشف بيت فاطمةعليهاالسلام ، فقال :
«والله ما آسى إلا على ثلاثة فعلتهنّ ، ليتني كنت تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ
__________________
(١) تاريخ الطبري ج ٢ / ٤٤٨.
(٢) المخشوش : ما يدخل في عظم أنف البعير من خشب.
(٣) نهج البلاغة : خطبة ٢٨ ص ٣٨٧ شرح الدكتور صبحي الصالح ، وشرح محمد عبده ج ٣ / ٣٦.
(٤) الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية ج ٢ / ٥٩.