وفي لفظ سادس : «إني وليت هذا الأمر وأنا له كاره ، والله لوددت أنّ بعضكم كفانيه»(١).
ونحن نسأل :
كيف كان أبو بكر يكره أمرا جعله الله له ـ بحسب زعمه وصاحبه عمر ـ ثم يودّ أن يكفيه غيره ، وقد حالوا بين النبيّ وبين أمله بالوصية بالإمام عليّ وهو على فراش الموت؟! وكيف لا يرجو تلك الإمارة التي من أجلها ارتكبوا عظائم الأمور؟! وكيف كان يرى للناس في إقالته اختيارا ، ولرده لمشيئة الله به وعهده لنبيه مساغا وقد رووا عن النبيّ أنه قال : يأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر (٢)؟!!
وكيف يكل أمر الأمة إلى مشيئتها وقد ردّت مشيئة النبيّ في ذلك؟ ووقع في السماوات ما وقع يوم أعرب صلىاللهعليهوآلهوسلم عن أمنيته.
وكيف يستقيل منها أبو بكر في أول حياته ثم يعقدها لعمر بعد وفاته على حدّ قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام : «... أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله ، فأدلى إلى فلان بعده ـ أي إلى عمر بن الخطّاب ـ.
شتان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيّان أخي جابر |
فيا عجبا! بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته! لشدّ ما تشطّرا ضرعيها! فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصّعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ، فصبرت على طول المدة ، وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم ، فيا لله وللشّورى ..» (٣).
__________________
(١) صفوة الصفوة لابن الجوزي ج ١ / ٩٩.
(٢) سيرة ابن هشام ج ٤ / ٣٠٣ فصل تمريض الرسول في بيت عائشة.
(٣) الخطبة الشقشقية : نهج البلاغة ج ١ / ٢٥ محمد عبده ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ١ / ١٢٦.