حكم [ظ : بحكم] الخلفاء في رعيته ، ولم يكن منكرا منه أن يعهد إلى من استصلحه لخلافته ، وقد جرى مثل ذلك للإمام عليّ عليهالسلام فإنه قال للناس بعد قتل عثمان : دعوني والتمسوا غيري ، فأنا لكم وزيرا خير مني لكم أميرا. وقال لهم : اتركوني ، فأنا كأحدكم بل أنا أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. فأبوا عليه وبايعوه ، فكرهها أولا ، ثم عهد بها إلى الإمام الحسن عليهالسلام عند موته(١).
والجواب :
إن الفرق بين الموضعين ظاهر ، لأن الإمام عليّا عليهالسلام لم يقل : إني لا أصلح ، ولكنه كره الفتنة ، وأبو بكر قال كلاما معناه : إني لا أصلح لها ، لقوله : «لست بخيركم» ومن نفى عن نفسه صلاحيته للإمامة ، لا يجوز أن يعهد بها إلى غيره.
ووصايته بها إلى الإمام الحسن عليهماالسلام لا بدّ منها لأمرين :
الأول : لكونها خلافة عن الله تعالى ورسوله نصا لا انتخابا.
الثاني : ليس هناك من هو أفضل من الإمام الحسن حتى يعهدها إليه.
قد يقال :
قلتم إن الإمام عليا عليهالسلام لم يجد أفضل من الإمام الحسن عليهالسلام كي يعهد بالخلافة إليه ـ عدا عن كونها نصا لا اختيار فيه ـ فما باله عليهالسلام قد خيّركم بعد موت عثمان أن يولوها من شاءوا؟
نقول :
إنه عليهالسلام عرف منهم أنهم لن يختاروا غيره لشدة مظلوميتهم من عثمان ومن سبقه وعمالهم ، فأراد أن يظهروا له ما بطن في نفوسهم ، ولو كانوا غير صادقين
__________________
(١) شرح النهج / ابن أبي الحديد ج ١ / ١٣١ ، وشرح محمّد عبده ص ١٨٢ ج ١ خطبة ٨٨ ، وشرح صبحي الصالح خطبة ٩٢ ص ١٣٦.