وخالف الأشاعرة ذلك ، فأجازوا تقديم المفضول على الفاضل تأسيسا لخلافة أئمتهم الذين سنّوا لهم هذا الاختيار مع الاعتقاد ضمنا أن الإمام عليا عليهالسلام أفضل الجميع.
وقد خالفوا في ذلك مقتضى العقل ونص الكتاب ، فإن العقل يقبّح تعظيم المفضول وإهانة الفاضل كما قلنا سابقا ، فلينظر الإنسان إلى عقله هل يحكم بتقديم المبتدي في الفقه على مثل ابن عبّاس وأمثاله؟! وقد نص على إنكاره القرآن أيضا فقال تعالى :
(أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(١).
(هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢).
وغير الإمام عليّ عليهالسلام أدنى بدرجات منه بل لا يقاس به روحي فداه أحد من الخلق على الإطلاق سوى نظيره وحبيبه رسول الله محمّد والصدّيقة فاطمة عليهماالسلام ، أما أن أحدا لم يكن أفضل منه فبتسليم أعيان العامة على ذلك منهم ابن أبي الحديد حيث قال :
«وأما نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون من تفضيله عليهالسلام ، وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل ، وهل المراد به الأكثر ثوابا أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة ، وبيّنا أنه عليهالسلام أفضل على التفسيرين معا ، وليس هذا الكتاب موضوعا لذكر الحجاج في ذلك أو في غيره من المباحث الكلامية لنذكره ، ولهذا موضع هو أملك به» (٣).
__________________
(١) سورة يونس : ٣٥.
(٢) سورة الزمر : ٩.
(٣) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١ / ١٦. تنبيه : صحيح أن شارح النهج يقول بأفضلية الأمير عليهالسلام على الثلاثة المتقدمين عليه ، لكنه لم يعتقد بوجود نص على الأمير عليهالسلام كما يلوح ـ